غزة / كثيرات منهن بارعات الجمال وأخريات حاصلات على أعلى مراتب التعليم، بعضهن مدرجات بالسجل الوظيفي، ومع ذلك ورغم تحقيقهن لكافة أحلامهن إلا أنهن حرمن من تحقيق حلم حياتهن الاوحد ’الزوج والأولاد’.بعضهن يلقين باللوم على المجتمع، وأخريات يلقين باللوم على العائلة وغيرهن لأسباب خاصة. ولكن مهما اختلفت أسبابهن فهذا لم يزل عنهن صفة ’عانس’.فقد اكدت آخر الإحصاءات الرسمية أن الإناث يشكلن حوالي 53 بالمئة من المجتمع الغزي، فيما تأتي الظروف السياسية والاحتلال وجرائمه من حرب وقتل واستشهاد واعتقال للشباب الفلسطيني، وكذلك الفقر والحصار الاقتصادي كلها لتشكيل عوامل حاسمة في هذا الاتجاه.ويؤكد رجال القضاء الشرعيون في غزة ان أسباب العنوسة في فلسطين كثيرة ويأتي على رأسها الاحتلال، الذي يرمل النساء وييتم الأطفال ويهدم الأسرة الفلسطينية من خلال سياسة الحصار الاقتصادي وفرض الحواجز، ثم العادات والتقاليد الاجتماعية وأهمها الغلاء الفاحش في المهور، وإعداد بيت الزوجية، وظهور التزامات اجتماعية جديدة تزيد من العبء المادي على الزوج، كصالات الأفراح وحفلات الزواج وموائد الطعام المكلفة.بينما يرى باحثون اجتماعيون في غزة أن العزوف عن الزواج يعود لأسباب اقتصادية بحتة، تتعلق بعدم حصول الكثير من الشباب على وظيفة، كما وان مستوى الراتب الشهري للوظيفة لا يكفي لسد حاجات أسرة صغيرة، إضافة إلى استحالة الحصول على المسكن والأثاث بسبب الحصار الخانق والارتفاع الحاد لأسعار السلع والخدمات كافة، وبالتالي فإن غلاء المهور بات يؤرق الأسر الغزية.ويرى مركز شؤون المرأة والأسرة أن هناك ارتباطاً قوياً بين ارتفاع المهور وتكاليف الزواج، وبين ارتفاع نسبة العنوسة عند الفتيات في المجتمع الفلسطيني، كما يرى آخرون أن من أسباب العنوسة أيضا ظاهرة الزواج من أجنبيات، وكذلك اتساع ظاهرة الطلاق.وبحسب العرف الدارج في غزة، فإن العنوسة تداهم الفتاة بعد تخطيها سن 25 عاما والشاب 30 عاما، ووفقا لتقرير للجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني فإن 3,39 بالمئة من الفلسطينيات عانسات. ’اخ يا بنتى شو بدى قلك’ هذه زفرة اطلقتها ام ابراهيم بعد سؤالي لها عن حال بناتها، واكملت حديثها: ’شو اعمل يا بنتي هيهم صبايا ما شاء الله عليهم وما فيهم أي عيب ولم يتزوجن شو بدنا نعمل.. لا نصيب.. لما ييجى النصيب’.اما سناء فقالت وهي مكسورة الخاطر لـ’القدس العربى: ’أصبح عمري 29 سنة ولم اتزوج رغم أنني جميلة وأحمل شهادة علمية، وأخلاقي الحمد لله، وليس لي مطالب، فيما اخوتي اللواتي يصغرنني سنا تزوجن وعندهن اطفال، ولذلك حالتي النفسية سيئة جدا فى معظم الاوقات، وقد حاولت الانتحار، لانني أشعر بالنقص والعار، بل يراودنى شعور بأننى جلبت العار لأهلي’. وعندما قلت لها في سياق الحديث معها عبر الهاتف ’أنك ما زلت شابة وأن الفرصة ما زالت أمامك’ أجبتنى بصوت غاضب: ’يا ستي أي فرصة انت ما بتعرفي انو البنت فى غزة بتعنس في العشرين’.ليست هذه الأسباب فقط سبب العنوسة في غزة، لكن يوجد سبب آخر ربما يكون’ ’فكاهة لقارئها’ والتي ’زادت الطين بلة’، وهي الولاء للتنظيمات الفلسطينية.’لأي تنظيم تنتمي؟’ هذا هو السؤال الاساسي الذي يسأل به الشاب الآن عندما يتقدم لخطوبة فتاة في غزة، فاذا كان لا ينتمي لنفس التنظيم، فالمصيبة ستحصل! فالزواج الحزبي بغزة، ظاهرة ازدادت في الآونة الاخيرة، والتي ارتبطت بالتعصب الحزبي والخلافات التنظيمية، حيث بات على كل شخص الإدلاء والاعتراف بانتمائه السياسي أثناء التقدم لخطبة الفتاة، وكذلك يتطلب من أهلها الكشف عن انتمائهم إن لم يكن معروفا لأن هذا هو الشرط الوحيد للموافقة على الزواج.ولا يتم الخوض في أي تفاصيل أخرى إلا بعد توفر هذا الشرط وفي حال التشابه والتوافق تظهر إشكالية عقد السهرات والأفراح حيث يتم وضع شروط جديدة تتلاءم أيضا مع الانتماء السياسي فقط.كما أدى هذا الشرط إلى حدوث العديد من حالات الطلاق بعد الزواج لعدة سنوات جراء تصاعد وتيرة الخلافات التنظيمية وفي حال عدم اللجوء إلى الطلاق فان الزوجة تتعرض لشتى أشكال العنف، جراء الاختلاف بينها وبين زوجها أو أهلها أو أهله أو حتى أفراد العائلة في الانتماء السياسي’وفي هذا السياق اكدت الفتاة ياسمين لـ’القدس العربي’ التي تبلغ من العمر (29عاما) انها تشعر بنوع من السعادة عندما يتقدم البعض لخطبتها، خاصة وانها قد تجد بعض المواصفات، ولكن تصاب بالصدمة عندما يتم رفضها بعد سؤالها عن الانتماء السياسي ويظهر الخلاف بينها وبين انتماء العريس.’اما هناء فقالت ’جاء لخطبتي شاب وعند سؤاله من قبل اسرتي عن الانتماء، اخبرهم بأنه ينتمي لنفس الانتماء الخاص بعائلتي، ولكن بعد ثلاثة ايام تلقى اتصالا من والدي يؤكد فيه الرفض لانه بعد البحث والتحري تبين انه لا ينتمي لنفس الانتماء الخاص بعائلتي’.من جهتهم يؤكد رجال الاصلاح ان التعصب الحزبي ادى الى حدوث خلل وشرخ في العادات والتقاليد والاعراف المتبعة في الزواج، ويشيرون الى انه يسبب العديد من حالات الخلاف والطلاق، ويرون انه في بعض الحالات تم تمزيق ملابس الزفاف للعريس والعروس ايضا عندما حصل خلاف في صالة الافراح نجم عن العادات المتبعة في حفل الزواج لكل فصيل والتي تختلف عن عادات الفصيل الآخر.’