أجلت إسرائيل استخراج الغاز من حقل كاريش الذي تتنازع عليه مع لبنان . كان الأول من سبتمبر هو موعد بدء الاستخراج الذي حددته ، وذكرت القناة الإسرائيلية الثانية عشرة أن الموعد الجديد هو أكتوبر المقبل بعد اتفاق الدولتين على تحديد نصيب كل واحدة منهما بوساطة أميركية بدأت في 2020 ، وسارت متعثرة حتى نجحت أخيرا مثلما ذكرت القناة . حزب الله شل كل خطوات إسرائيل للاستيلاء على الحقل ، وكانت تنوي استخراج الغاز في يونيو المنصرم إلا أنه حذرها تحذيرا صارما من البدء في استخراجه ، وتتابعت تحذيراته لها متصاعدة الصرامة والجدية ، واستوعبتها إسرائيل واعية أنها في قوة الفعل ، فانخذلت وخضعت . وهكذا هي متى علمت يقينا جدية من يعارضها ويتحداها ويحذرها العاقبة السيئة لما تريد فعله ، أما إذا اطمأنت إلى نجاتها بجرمها فالويل لمن تقع رقبته تحت شفرة سكينها .
لن تمنحه ذرة رحمة سواء كان فردا أو جماعة أو دولة . وانظروا كيف يهزل ويذوي ويسرع نحو الموت من يضرب من أسرى الاعتقال الإداري الفلسطينيين في سجونها ؛ دون أن ترحمهم . إذا بطشت بطشت جبارة ، وإذا عجزت عن البطش أمسكت شبه منهارة ولو كابرت لسانيا . بالاتفاق بينها وبين لبنان حول استخراج الغاز ، وبرعبها قبله من حزب الله وامتناعها عن الاستخراج في الموعدين اللذين أرادتهما ؛ يكون حزب الله قد سجل في كتاب انتصاراته المضيئة عليها انتصارا جديدا ، وسجل في كتاب خيباتها خيبة جديدة قاسية جاهدت لازدرادها معنويا ونفسيا بإعلان أنها رغم الاتفاق تتأهب لما قد يفعله حزب الله كأنها لم تكن متأهبة من قبل ، وكأنها ليست متأهبة دائما لأي نأمة أو نسمة من جانب أعدائها الحقيقيين في المنطقة .
ما حققه حزب الله في حرب الإرادات حول غاز كاريش ليس الأول على إسرائيل في هذا النوع من الحروب ، ولندع انتصاره عليها حين حرر منها جنوب لبنان بالسلاح والدم في مايو 2000، وحين تعادل معها في يوليو 2006 في حرب رهيبة دامت 31 يوما طار بعدها رأس وزير دفاعها المغربي الأرعن عمير بيرتس ، ورأس قائد أركانها دان حالوتس . انتصر عليها إراديا في 2017 حين هم بتحرير جرود عرسال والقلمون الغربي وجرود رأس بعلبك والقاع من مسلحي جبهة النصرة وتنظيم داعش . قبل تحرير تلك المناطق، هبطت في تل أبيب طائرة قادمة من السودان تحمل ضباطا كبارا خليجيين حاملين عرضا من دولهم لإسرائيل بأن تقصف جويا قوات حزب الله لحظة شروعها في عملية التحرير.
ad
كانت قيمة العرض 8 مليارات دولار سال لها لعاب إسرائيل، فوافقت . وعلم حزب الله بالصفقة الخسيسة العدوانية، فاتصل من فوره بالسفير الألماني في بيروت ، وكلفه إبلاغ حكومته بها لتبلغ بدورها إسرائيل إنذارا صارما بأنه ، الحزب ، سيرد على أي تدخل إسرائيلي في عملية التحرير بقصف إسرائيل قصفا صاروخيا شاملا مدمرا ، فعاجل نتنياهو باجتماع أعضاء مجلسه الوزاري المصغر، وأخبرهم بإنذار حزب الله الحتمي التنفيذ ، وأنه يستحيل المضي في الصفقة . وقد يجتهد أعداء حزب الله العرب ، وما أكثرهم ، في حرمانه من انتصاره الجديد ، ويحثون إسرائيل وأميركا الوسيط المعادي له والعديم النزاهة على التشدد في قضية الحقل من جديد إلا أنهم سيخفقون ، فإسرائيل تعرف متى تعربد وتبطش ، وتعرف متى تخضع وتنكسر .
وفي انتصارات حزب الله المتلاحقة عسكريا وإراديا على إسرائيل درس جليل مبين لكل من يخافها من العرب أو يتقرب منها متذللا مستعظما لها وآملا منها خيرا وأمنا متوهما أنها قدوة مثلى في كل شيء ، وصديق يعتمد عليه في الملمات والمهمات . اختزلها سماحة الشيخ حسن نصر الله اختزالا محكما في نعته لها بأنها ” أوهن من بيت العنكبوت ” ، وبرهن دائما فعليا صواب نعته ، وآخر هذه البراهين انتصاره عليها ، انتصار لبنان والعرب والمسلمين الشرفاء ، في قضية حقل كاريش البحري .
