سفر الفلسطينيين عبر مطار رامون نجاح إسرائيلي ورداءة عربية..

الأربعاء 24 أغسطس 2022 01:08 م / بتوقيت القدس +2GMT
سفر الفلسطينيين عبر مطار رامون نجاح إسرائيلي ورداءة عربية..



كتب حماد صبح:

سافرت أول مجموعة من فلسطينيي الضفة من مطار رامون إلى لارنكا في قبرص ، ونفذت إسرائيل بذلك ما خططت له ، وذهبت تهديدات السلطة الفلسطينية بمعاقبة أي فلسطيني يسافر منه مع الريح ، وراج من قبل أن تهديداتها شكلية ، وأنها لا تعارض سفر الفلسطينيين منه معارضة صادقة جادة ، وأنها متفقة مع إسرائيل على شكلية تهديداتها . وهذه هي الحال دائما. تنفذ إسرائيل ما تريد ، وتعارض السلطة وتهدد ، ولا تنفذ أي تهديد .

وفي الناحية العربية : لماذا لم يعارض الأردن سفر مواطني الضفة من مطار رامون وأكثريتهم حملة جوازات أردنية ، أي مواطنون أردنيون ؟! أليس في سفرهم من المطار الإسرائيلي بدل مطار الملكة علياء  خسارة اقتصادية للأردن ؟! سفرهم من المطار الأردني يفيد شركة الطيران الأردنية ماليا ، ونزولهم في فنادق العاصمة عمان في ذهابهم وإيابهم يفيد أصحاب الفنادق ، وانتقالهم من جسر الملك حسين ذهابا وإيابا يفيد سائقي سيارات الأجرة الأردنيين ، وكل ما سبق من الفوائد يعود على البلاد بالخير والرزق .
 ويبدو أن الأردن موافق على سفر مواطني الضفة من مطار رامون  نفس موافقة السلطة الفلسطينية ، وله أن يقول إن هذه حرية شخصية للمسافرين ، فلينافس إسرائيل عليهم سياحيا على الأقل حتى يفضلوا السفر عبره .  ونتوقع ، للأسف ، ان يتكاثر المسافرون الفلسطينيون من رامون   وإليه من دول أخرى خاصة تركيا التي يوجد بها عدد كبير منهم بين مقيمين ودارسين وعاملين ، وقد تسمح إسرائيل لفلسطينيي غزة بالسفر منه   ، وتجعل  معبر كرم أبي سالم طريقهم إليه ذهابا وإيابا ، وسيكونون أشد قبولا لهذا السفر  من فلسطينيي الضفة فرارا من أهوال معبر رفح وما بعده حين يدخلون الأراضي المصرية ذاهبين أو عائدين ، وفرارا من نار المبالغ المالية الكبيرة التي يدفعونها المسماة ” التنسيقات المصرية ” ، وهي في حقيقتها رشاوى قهرية مقنعة .
وطبعا لن يسافر عبره من له مشكلات أمنية مع إسرائيل ، وحملة الجنسيات الأجنبية الذين ما زالوا يحملون بطاقة هوية في الضفة أو غزة خوفا من أن تصادر إسرائيل تلك البطاقة لتسلبهم مواطنتهم ، وحقهم في الرجوع إلى المكانين متى شاؤوا أو للإقامة الدائمة فيهما . وسيريح سفر فلسطينيي غزة عبر رامون إسرائيل من مخططها القديم لإقامة جزيرة قرب شاطىء غزة ينتقل منها أهلها إلى العالم ذهابا وإيابا بحريا تحت مراقبة إسرائيلية . يؤلمنا أن نقر بأن إسرائيل تتعامل مع واقع المنطقة وحقائقها بدراسة وفهم عمليين ، وتجلب لنفسها نجاحات ومرابح حقيقية ، وتوسع التصاقها بها وانتماءها إليها ، وهي الغريبة عنها المعادية لشعوبها ، وأولها الشعب الفلسطيني ، وإزاء هذه الدراسة وهذا الفهم تحطم الدول العربية كل ما بين شعوبها من مقومات التوحد والتنافع المتبادل ، وتستبدل بتلك المقومات حوافز التنافر والتقاطع والشك والعداء لخوف حكام تلك الدول من توحد تلك الشعوب ضدها . ما من شعب عربي يعادي شعبا عربيا آخر ، وكل مواطن عربي يشعر بأنه جزء من أمة واحدة ، ويستيقن أن خيره في خير هذه الأمة وشره في شرها ، وهو ما لا يراه الحكام العرب.
كل حاكم يتصرف مع شعبه وبلده بصفتهما موروثا عائليا خاصا له أن يفعل به ما يحب . وتزدهر نجاحات إسرائيل وتغلغلها في العالم العربي في الوقت الذي يطالب فيه كثير من القوى المدنية والحقوقية في العالم بنبذها  لجرائمها في فلسطين ، ومن بين تلك القوى يهود في أميركا وفي أوروبا ، ويعترف هؤلاء بأنها  اضحت عبئا أخلاقيا ثقيلا على ضمائرهم ، وأنهم ما عادوا قادرين على الصمت على جرائمها المتجاوزة بعيدا لكل حدود الهمجية والعنصرية . ونفذت هذه القناعات والتحولات إلى الأدب دلالة على تعمقها وتجاوزها لكونها موقفا سياسيا قد يكون عابرا ريثما يختفي سببه، وفي تقرير ل ” هآرتس “، تحدثت عن كتاب للأديب الأميركي اليهودي يهوشواع  كوهين يصف فيه شخصية الإسرائيلي بالقبح اعتمادا على ملاحظته لسلوك الجنود الإسرائيليين الذين يسافرون إلى أميركا ، ويسلكون فيها مسالك استعلائية زرية امتدادا لسلوكهم مع الفلسطينيين .
 وكل القبح الإسرائيلي لا يصد أكثر الدول العربية أو يحرجها ، وتتساقط في هوة التطبيع مع إسرائيل تساقطا صارخا عاريا ، أو تطبخ تساقطها على نار هادئة ، وتفتح لها أبواب النجاح السهل السريع أينما اتجهت ، ومن هذا النجاح سفر الفلسطينيين من مطار رامون ، وعبر منسق أعمالها في الأراضي الفلسطينية  غسان عليان الدرزي المتصهين حتى النخاع ، وقائد لواء جولاني السابق ، عن فرحها بهذا السفر قائلا إنه : ” أمر تاريخي غير مسبوق”.
كاتب فلسطيني