حول «التقليل من شأن المحرقة»..غسان زقطان

الإثنين 22 أغسطس 2022 11:17 ص / بتوقيت القدس +2GMT
حول «التقليل من شأن المحرقة»..غسان زقطان



في الحملة التي انفجرت حول تصريح الرئيس أبو مازن بأن إسرائيل ترتكب جرائم لا تتوقف ضد الفلسطينيين، شبهة الدفاع وليس الهجوم كما توحي أغلفة الحملة. السؤال الذي طرحه الصحافي الألماني على الرئيس أبو مازن حول الاعتذار عن عملية ميونخ - اسمها الفلسطيني هو "إقرث وكفر برعم"، وهما قريتان تم تهجير سكانهما الفلسطينيين بذرائع عسكرية على أن يعودوا بعد أسبوعين، كان هذا منذ ما يقترب من الـ 75 عاما - السؤال يبدو نموذجيا لفهم العنصرية العميقة في ثقافة الاستشراق التي ما زالت تتمتع بنفوذ قوي في وعي الكثيرين من العاملين في الإعلام الغربي، الألماني والأميركي على وجه الخصوص.
تنطلق شبهة الدفاع من محاولة القائمين على الحملة مواجهة الوعي بجرائم إسرائيل لدى أجيال ما بعد الحرب الثانية في الغرب، ومحاولة استثنائها من المحاسبة، فيما يشبه إعادة صياغة معاصرة للمحرقة، محاولة لتحديث المأساة ليس لتعميق دروسها المؤلمة، ولكن لمواصلة التخفي وراء بشاعتها وتحويلها إلى مبرر لجرائم جديدة تتكئ عليها، وترميم قناع الضحية الذي تتخفى وراءه إسرائيل منذ ما قبل إنشائها. تحت قناع الضحية، تم تهجير الفلسطينيين من وطنهم، وتنفيذ مئات المجازر التي سميت بأسماء القرى، وإبادة 500 قرية وبلدة فلسطينية ومواصلة ذلك وتوسيعه بحيث شمل المحيط العربي. تحت قناع الضحية أنشأت إسرائيل منظومة عنصرية ونظام أبارتهايد عصريا... إلى آخر ما تتفتق عنه مخيلة القاتل.
ينطلق السؤال البائس للصحافي الألماني من هذا الوعي ومن هذه الثقافة التي تضع الضحايا في مراتب وفئات ولا ترى في تصنيفها العنصري الضحايا الفلسطينيين، أما إجابة الرئيس الفلسطيني فقد كانت قادمة من واقع راهن يمكن معاينته دون مشقة.
لقد ساهم الضوء القوي الذي سلطه العالم على كشف كل زاوية في تلك المأساة المروعة التي لا يجوز التقليل من شأنها أو نسيانها (المحرقة) والتي تحولت النموذج الأقسى لمدى الوحشية التي يمكن أن يصل إليها الإنسان عندما لا يرى في الآخرين سوى أجناس أدنى بلا حقوق. هذا بالضبط هو الوعي الذي أدى إلى المحرقة، فائض كثير من القوة ونظرية التفوق العرقي وصمت العالم وتجاهله للضحايا، ما يمنح القاتل حصانة أمام المعايير. تلك هي الإشارات التي قادت ألمانيا النازية إلى المحرقة وجرت البشرية إلى حرب كونية مدمرة.
"التقليل من شأن المحرقة" يكمن في تجاهل الجرائم الإنسانية التي ترتكبها إسرائيل والتغاضي عن احتلالها، وتجاهل الفاشية الصاعدة في مجتمعها وحماية منظومة الأبارتهايد التي أنشأتها في فلسطين، واحتضان القاتل وتبرير جرائمه.