اقترح إسحق ليفانون سفير إسرائيل السابق في مصر تأسيس قناة إسرائيلية تبث بالعربية للتأثير على الشعب العربي ، وفضل تسميتها ” الجزيرة الإسرائيلية ” تشبها بقناة ” الجزيرة ” القطرية وأملا في أن يكون لها نفس التأثير . وغباؤه مكشوف ، ف ” الجزيرة ” الأولى اتخذت اسمها من جزيرة حوار التي كانت تتنازع عليها قطر مع البحرين ، فمن أين له ولكيانه جزيرة جغرافية ؟! ما لديهما أرض مغتصبة بالحديد والنار والقتل والدمار لأهل هذه الأرض الذين يؤمنون إيمانهم بربهم _ تقدس اسمه _ أنهم سيحررونها طال زمن اغتصابها أم قصر . ومن آيات سخافة ليفانون في اقتراحه في صحيفة ” معاريف ” أن ما شجعه عليه هو ما زعمه من النجاح الإعلامي الإسرائيلي في عدوان الأيام الثلاثة على غزة .
أين هو النجاح الإعلامي، و”هآرتس” أكبر صحيفة إسرائيلية وصفت العدوان كله بالفشل ؟! كيف ينبثق من الفشل العملي نجاح إعلامي ؟! حوالي مليون وأربعمائة ألف مستوطن في غلاف غزة انحبسوا في المنازل وانحشروا في الملاجىء قبل العدوان وخلاله، فلماذا لم تنجح دولتهم في التأثير إعلاميا عليهم فلا ينحبسوا ولا ينحشروا وهي التي تخاطبهم بلغتهم وبما يؤثر فيهم من وسائل اتصال ؟! وبعد العدوان بأسبوع قال الجنود العاملون في منطقة الغلاف إنهم مستنزفون منهكون فيها من جو الحرب وتوتراته وهواجسه . جائز أنه عد تأييد أميركا للعدوان نجاحا ، ومثله اكتفاء بعض الدول العربية بإدانته ، وبخل ونذالة بعضها حتى بالإدانة على هزلها وعدمية جدواها . وكلها مواقف قديمة معادة . والمشهود إجمالا أن الإسرائيليين باتوا يهولون من أي نجاح أو ما يحسبونه نجاحا ، وهو ما يجزم بشعورهم الغائر في ظلام نفوسهم بعوزهم إلى نجاحات حقيقية .
وفي هذا الجو النفسي والذهني المضطرب قد ينتقلون إلى النقيض ، فيهولون من بعض النجاحات الفلسطينية في مقاومتهم ، وفي هذا المنحى وصفوا إطلاق شاب فلسطيني النار على حافلة في القدس وإصابة ستة مستوطنين ب إخفاق استراتيجي كبير . يستهدف ليفانون من القناة المقترحة أن تؤثر في وعي وقناعات المواطنين العرب ، وتبدل نظرتهم إلى إسرائيل فيروها جارا وصديقا لا غاصبا وعدوا ، ويتوغل التطبيع مع العرب شعبيا ولا يلبث رسميا مثلما هو الآن مع ست دول عربية ترفض كل شعوبها هذا التطبيع ، ولو كانت الكلمة لها لألغته فورا سعيدة مغتبطة . والإسرائيليون يعلمون كره الشعب العربي لهم ، وهو أعمق مما يعلمون .
إنه أكثر ما يجمع عليه هذا الشعب ، وأقرب إلى الفطرة منه إلى التلقين والتوجيه ، وترتيبا على هذه البديهية لا أمل لإسرائيل في أي تاثير على الشعب العربي في نظرته المعادية لها ، كله يراها مغتصبة لأرض عربية ، قاتلة لشعبها ومضطهدة له ، ودائمة الاعتداء على المسجد الأقصى بقدسيته الدينية لديهم ولدى سائر المسلمين ، وساعية جادة لهدمه وإقامة هيكلها المدعى مكانه .
وكلهم يؤمنون دينيا بأن إسرائيل زائلة بمقتضى نص قرآني، وزوالها قضية وقت في جيل من الأجيال المقبلة . فكيف تزيل القناة الإسرائيلية هذه القناعات العربية المتجذرة دينيا وقوميا ؟! عدالة القضية الفلسطينية وإنسانيتها تنتصر يوميا في الساحة الدولية في المستويات الشعبية والإعلامية والأكاديمية والبرلمانية تأثرا بما يراه الناس في تلك الساحة الواسعة المتنوعة اللغات والثقافات والأحوال من وحشيات إسرائيل الهائلة في الضفة وغزة والداخل الفلسطيني ، والنغمة السائدة الآن في تلك الساحة أن إسرائيل دولة اضطهاد عنصري للشعب الفلسطيني ، وهذا منجز كبير للقضية الفلسطينية مع اقتناعنا أن إسرائيل أردأ وأبشع من دولة الاضطهاد العنصري التي لا تطرد الشعب المضطهد من أرضه ولا تقتله وإن حرمته بعض الحقوق السياسية والثقافية وسواها.
إسرائيل تطرد الفلسطينيين من أرضهم وتقتلهم وتعذب الآلاف منهم في سجونها . إنها دولة استيطان مغتصب ومبيد لأهل الأرض المغتصبة . وهي كيان يخطط للتوسع في البلاد العربية المجاورة ، وما فلسطين في مخططه الكبير سوى نقطة وثوب أولى . وهذا يعرفه الشعب العربي ، وسيكون في وعيه حين يسمع ويرى هرائيات ” الجزيرة الإسرائلية ” إن كتب لها الظهور.
أقوى وأنجح دعاية للأفراد والجماعات والدول هي شرعية أفعالهم قانونا وأخلاقا وإنسانية وابتعادا عن الاعتداء على الآخرين ، ولا تملك إسرائيل أي نصيب من هذه الشرعية ، ولن تختلقها لها قناتها المقترحة . ما تفعل الماشطة في الوجه القبيح ؟!
كاتب فلسطيني