لم تكن السقطة الأخيرة لرئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين السيد احمد الريسوني تلك المتعلقة بانتظار امر فقط من الحاكم لبدء معركة الجهاد فيما اعتبره أراضي مغربية مغتصبة من الجزائر ومن دولة يريد محوها بكلمة اسمها الجمهورية الإسلامية الموريتانية بالمستغربة او الجديدة او حتى زلة لسان من عالم -هذا إن افترضنا انه يتكلم من منطلق شرعي وعلمي وسياسي- لان مرجعية الاخوان انه لا حدود لدولة الخلافة لكن الذي فات سيدنا هو السؤال عن المظلة التي تكلم منها وعن المكان الذي بث منه هذا الخطاب ففي الحالة التي نعتبر فيها انه رئيسا لتجمع كاتحاد العلماء المسلمين الذي مقره الدوحة بدولة قطر فإنني لا اشك لحظة انه لم ينطق ببنت شفة من هذا الكلام اما لو انه في عطلة يستجم في احد شواطئي المغرب وقريبا من احدى الدوائر الصهيونية فلا غرابة ان يقول اكثر من ذلك وهو من حقه كأي مواطن مغربي يحلم لكن الذي يهمني في هذه اللحظة هو تواصل الإفلاس لدى هذا التنظيم العالمي الذي كان يعج بعلماء سادوا الساحة الفكرية واثروا الثقافة العربية والإسلامية بنماذج لا يشق لها بنان وبدأ اضمحلالهم مع الممارسة الحقيقية للفعل السياسي ومن فتوى القرضاوي بإحلال دم القذافي حتى دعوة الريسوني للجهاد في الجزائر وموريتانيا لم يصدق الاخوان الى الآن انهم في الطريق الى الاندثار وحديث الريسوني هو اختصار لمآسيهم .
فمع هزيمة حزب العدالة والتنمية اسدل الستار على آخر فصول الربيع الإخواني في العالم العربي بعد إزاحتهم من مصر وتونس التي حكموا فيها على مدى سنوات والتي بدت في اول الامر كحالة من الانتقال الديموقراطي في اعلى هرم الحكم مدعومين من الغرب وتزامن كل ذلك مع حكم اوباما الذي اراد ترسيخ فكرة ترسيم شعار التغيير في أمريكا لينطلق تعميمه على الشرق الشرق الاوسط وبحسابات امريكية محضة ركزت على انتقال سلس بدون عنف كبير ويسمح بالحفاظ على نفس المصالح في مصر و في تونس اما في المغرب فكأنما وصلت همسة الناصحين من الغرب فقدمهم الملك بديلا لتوطئة الرأس امام رياح التغيير العنيف و لغاية يعلمها الاخوان هناك قبل النظام لكن خاتمتهم جاءت مأساوية بالمفهوم السياسي والانساني.
وفي بضع سنين من حكمهم كان المتسبب الاكبر في الضرر الذي لحق بهم هم الاخوان انفسهم لانهم فقدوا سلاحهم الاساسي المتمثل في مظلوميتهم التاريخية من الانظمة فهم بدأوا كتنظيم سري وساروا على ذلك النهج لتعاني صفوفهم القيادية ويلات القتل والاعتقال وقد خبروا السجون اكثر من بيوتهم وحافظوا على وهج المعارضة واستمروا وساعدهم وفائهم وانضباطهم لجهة الجماعة وعندما خاضوا معترك العمل الخيري والجمعوي سادوا المجتمع بالقدر الذي قدموه واندمجوا تماما في الأوساط الشعبية الكادحة وكان العمل السياسي والترشح للمناصب السياسية عندهم يقتصر على قيادات يتم ترشيحها في أحزاب قريبة من أفكارهم وعندما خرجوا الى العلنية زهدوا في تولي المناصب وابتعدوا قليلا عن المواجهات المباشرة وكان تركيزهم منصبا على كسب ود الأوساط الشعبية مع تدعيم التنظيم بكفاءات شابة ومثقفة فكسبوا تعاطف اطراف واسعة من مجتمعاتنا لكن العمل السياسي في اوطاننا يصعب في ظل ظروف اقتصادية سيئة ومجال سياسي مغلق يبغي الولاء اولا وينفذ اجندة معينة قد تتعارض مع القناعات الشخصية فتكون الاستفادة فقط على قدر الطاعة والتنفيذ الحرفي للأوامر.
وعندما رفع الغطاء عن عمل الاخوان رأينا كم العقاب الشعبي لهم فرغم الدفع بهم من اطراف قدموا لها كل الضمانات ورغم حالة التماهي التي حاول الاخوان السير فيها والمراجعات التي مست مبادئ الجماعة إلا انهم لم يتمكنوا من تقديم اداء سياسي ولا اقتصادي يليق بسمعتهم كجماعة سياسية عريقة ورغم محاولة التشبه الوحيدة للنجاح في تركيا، إلا ان الاخوان عندنا لم يأخذوا إلا رمز الحزب الذي يسمى العدالة والتنمية فلا هم عدلوا ولا نموا وكل المحصلة اقتصرت على مكاسب مادية وفئوية ضيقة انهارت مع اول استحقاق ودعونا نكرر انهم بلعوا الطعم بمعرفتهم لانه لم يكن ليسمح لهم بتجاوز خط الصلاحية الذي انتهى بمرور عاصفة الربيع وبعدها كان مقدرا لهم ساعة الرحيل وهم راضون بذلك إلا في الحالة المصرية اين شهدنا مواجهة لم تكن لتقع لولا الدفع الامريكي والتركيز على إنجاح التجربة هناك وبدون ادوات الدعم اللازمة مع ترك البديل الجاهز متربصا فتسارعت الاحداث وتجاوز غضب النخبة والشعب سرعة اداء الاخوان وبذلك سمح للبديل الجاهز بالانقضاض وكانت تلك اول صدمة تلقتها الجماعة فواجهت بدون اسلحة ولا حلفاء صادقين وكانت على المستوى الانساني جريمة مكتملة الأركان كحالهم الآن في مصر وعادوا يجرون خيبة الهزيمة تماما.
ولم يكن اختفاء القرضاوي من الساحة إلا جزءا من مصير محتم لمن يلعب على أوتار متناقضة في فهمه الخاص للدين فلا صلة تجمع بين دعوة الشيخ البنا والشيخ القرضاوي اما عن دعوة الشيخ الريسوني فهي مجرد محاولة لإحياء فتنة يعتقد صاحبها ان الجو مهيئ في هذه الظروف المتوترة بين المغرب والجزائر وفاته فقط ان يحييد موريتانيا في هذا الوقت بالذات لعدم انخراطها في هذا التجاذب الشعوبي بين الجزائريين والمغاربة لكنه لعدم المامه بأمور السياسة وتداعيات الاحداث اخذ نفسه الى مكان بعيد وهنا فقط اعتقد انه لم يكن مأمورا من جهة مغربية بالذات لان جلالة الملك وفي خطابه الأخير اعطى أوامره بأن لا يسمح لاحد بالتطاول على الجزائريين لكن الريسوني مازال متشبثا بأمل الحصول على رضى جهات قد يعلمها هو ويجهلها الملك.
كاتب جزائري