يديعوت أحرونوت -بقلم: سيفر بلوتسكر يمكن النظر إلى نتائج حملة “بزوغ الفجر” من زوايا ومناظير مختلفة. ولا تتطابق كلها والرواية الإسرائيلية، فبعضها يتعارض معها، ولا تتطابق وأجواء النشوة، وهذا طبيعي: فالمنتصرون يكتبون التاريخ من زاوية نظرهم.
لكن المقلق هو الإجماع العام على الفرضية الاستراتيجية – الوطنية التي تقبع في أساس سياسة حكومات إسرائيل تجاه قطاع غزة، وبموجبها في الحدود بين إسرائيل ومصر قامت دولة فلسطينية جديدة، دولة غزة، وعلينا عمل كل شيء كي ندعم وجودها المستقل. إضافة إلى ذلك: المصلحة الإسرائيلية هي أن حماس هي الحاكمة في دولة غزة، وهي تنظيم إرهابي وفقاً لكل تعريف، وهي العدو المر للسلطة الفلسطينية. حماستان في غزة، حكم ذاتي فلسطيني في يهودا والسامرة، وهكذا نكون حللنا مشكلتنا السياسية والأمنية والديمغرافية. فلا تقولوا “حل الدولتين”، بل “حل الدول الثلاث”. وهذا وهم خطير، سنستيقظ منه على واقع قاس.
في موقف حكومة إسرائيل من غزة كدولة منفصلة، فإنها تتجاهل سواء الفكرة الوطنية الفلسطينية أم السيطرة الاقتصادية والإدارية على غزة التي للسلطة الفلسطينية. ومن يهتم بالأمر يوجهه إلى الاستطلاعات التي يجريها البنك الدولي وصندوق النقد الدولي عن الاقتصاد الفلسطيني. وحسب هذه الاستطلاعات، تواصل السلطة تمويل أجهزة الحكم المدني – الجماهيري في قطاع غزة ودفع الرواتب (مؤخراً جزئية مرة أخرى) بعشرات آلاف موظفي الدولة الذين تشغلهم. وظل الموقف من حماس كربة بيت شرعي في قطاع غزة، بل كتنظيم إسلامي متطرف استولى على الحكم في انقلاب عسكري عنيف. ولهذا، يحذر الاقتصاديون واضعو الاستطلاعات من أنه لن تكون قائمة للاقتصاد في غزة دون عودة السلطة لتكون صاحبة السيادة الوحيدة فيه.
ما فعلته إسرائيل صحيح إذ فتحت بواباتها لعمل نحو 14 ألف أجير من غزة، لكن هذه قطرة في بحر. يأتي للعمل في إسرائيل وفي المستوطنات من المناطق الفلسطينية نحو 160 ألف عامل، حسب التقديرات الرسمية. عشرات آلاف آخرون يجتازون الحدود في الخفاء ويعملون بالأسود. بفضل هذه العمالة، بلغ الناتج للفرد في السلطة الفلسطينية في 2019 – بما في ذلك قطاع غزة إذ لا فصل في الإحصاءات – نحو 6.500 دولار في السنة، بتعابير قوة الشراء الحقيقية (أو باختصاره الإنكليزي PPP)، وهذا يشبه المعطى الناتج للفرد في الهند. يمكنني أن أقدر، استناداً إلى معطيات وفد التنسيق من الدول المانحة، بأنه الناتج بات يلمس 9.000 دولار في مناطق السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية، فيما لا يصل في غزة إلا إلى 3.000 دولار فقط.
يعيش اقتصاد القطاع على التنفس الذي توفره السلطة الفلسطينية في رام الله ودعم الأمم المتحدة والولايات المتحدة وغرب أوروبا ودول عربية غنية. هذا المال يضخ في غالبيته الساحقة عبر أجهزة السلطة. التصدير من غزة هامشي، والبطالة تناطح السحاب. أما شبكات الكهرباء، والمياه، والمواصلات، الاتصالات، والصحة والتعليم فمهملة ومتآكلة. ثمة “إدارة مزدوجة” بين السلطة وحماس في مجالات معينة. السلطة الفلسطينية نفسها لا تجبي شيكل ضريبة من سكان غزة، الفلسطينيون في الضفة يمولونها من ضرائبهم.
هل تريد إسرائيل أن تحمل على كتفيها هذه الكلفة؟ بالتأكيد لا. حماس هي الأخرى لا تريد.
لا يجب أن نعيش في الأوهام. ليس هناك خيار عملي لوجود “دولة غزة” منفصلة. لن تقوم هناك سنغافورة الشرق الأوسط. بل المعقول أكثر أن تقوم صومال أخرى. البدائل الواقعية هي سيطرة حماس على السلطة الفلسطينية في رام الله أو عودة سيطرة السلطة الفلسطينية على قطاع غزة، بالطبع ليس تحت قيادة أبو مازن. الضربة العسكرية التي أوقعتها إسرائيل على قيادة عصابة الإرهاب التي تسمى “الجهاد الإسلامي”، في ظل الاستعداد لاحتمال هجمة ألف صاروخ، وإن كانت لا تدفع قدماً أياً من هذين البديلين، لكنه يخدم البديل الأول أكثر. هذه نتيجة غير مرغوب فيها على أقل تقدير: كلما تعاطينا مع حماس كرب بيت شرعي في غزة، فإننا نسرع تحولها إلى رب بيت في رام الله أيضاً.