العدوان على “غزة”.. أهدافه ومراميه ..

الإثنين 08 أغسطس 2022 10:05 ص / بتوقيت القدس +2GMT



كتب مصطفى بودغية:

قام “الكيان الصهيوني” بقصف مبان مركبة في قلب مدينة “غزة”. اغتال خلال قصفه “تيسير الجعبري” قائد المنطقة الشمالية في حركة الجهاد الإسلامي، و”عبد الله قدوم” قائد منظومة الصواريخ المضادة للدروع في شمال قطاع غزة، وطفلة بعمر خمس سنوات “آلاء ع. الله قدوم”، وسيدة عمرها 23 سنة، والحصيلة عشرة شهداء وعدد من الجرحى الفلسطينيين. ولا يزال “الكيان الصهيوني” يتوعد بالمزيد من الهجمات العنيفة على “غزة” المحاصرة والمحرومة من الماء والغذاء والدواء منذ زمن طويل..
السؤال المطروح هو هل قام “الكيان الصهيوني” بهذه الهجمات محاولةً منه للدفاع عن “المستوطنين” كما تدعي أجهزته الإعلامية وبياناته الرسمية ؟ من خلال تحليل أولي للسياق وللمعطيات المتوفرة يبدو أن الجواب هو أن “المسؤولين الصهاينة” خططوا لهذا العدوان ووفروا له السياق السياسي والنفسي للقيام به.
كانت البداية مع هجوم “كوماندو صهيوني” على “جنين”، حيث قام باعتقال القيادي في الجهاد الإسلامي “بسام السعدي” بعد إصابته بجراح خطيرة. كانت خطوة استفزازية مدبرة لإثارة ردود فعل لدى قيادات “الجهاد الإسلامي”. وقام “الإعلام الصهيوني” بتضخيم ردود فعل “الجهاد الإسلامي”، قام “الجيش الصهيوني” على إثر هذا التضخيم الإعلامي بتحشيد قواته وإعلان “حالة استنفار”، مما هيأ الأجواء  لإعلان العدوان على غزة سمي بـ”الفجر الصادق !”.
السؤال الآخر هو لماذا هيأ “الصهاينة” لمثل هذا العدوان ؟ طبعا لكل فعل يقوم به كيان سياسي ما أهداف سياسية وعسكرية.. وهذا العدوان ليس “حالة” اسثنائية..فـ”إسرائيل” على طول تاريخها الدموي، كانت   كل المجازر التي ارتكبتها محسوبة ولها أهدافها المحددة،تصب كلها في تثبيت سيادتها وتوطين مشروعها الاستيطاني على حساب الحق الوجودي الفلسطيني بأبعاده السياسية والتاريخية والثقافية.
السب الأول يتمثل أولا في وجود الأزمة السياسية المستفحلة داخل “الكيان الاستيطاني الصهيوني”.تتجلى في فشله في بناء تحالفات قوية قادرة على إنشاء “حكومة” فعالة..تجلى ذلك فعليا في تعاقب حكومات فاشلة في ظرف زمني وجيز وقياسي. ويرجع بعض المحللين هذا الفشل إلى تصدع الجبهة الداخلية الاستطانية وتشظيها، ومن أسباب هذا التصدع خفوت “الفكرة الصهيونية” ذاتها وفقدانها للكثير من وهجها، نتيجة رحيل كل قيادات الصف الأول،وظهور قيادات ضعيفة تفتقد للسمات الكارزماتية، التي تلاشت مع استمرار “الضمور” والوهن الذي يدب في “الإديولوجية” الصهيونية نفسها التي فقدت بريقها بسبب عامل الزمن وبسبب التناقضات الداخلية بين شرائح المستوطنين اليهود،وبسب تغيرات جوهرية مست موازين القوى في الصراع الدائر بين “إسرائيل” ومحيطها. هكذا لم تعد لها تلك الجاذبية التي كانت لديها في السابق، خاصة إذا أضفنا التحولات التاريخية الحاصلة إقليميا ودوليا..وكذلك فقدان “الجيش الصهيوني” تدريجيا لتفوقه في المعارك..وهزائمه في لبنان أمام القوة الضاربة لدى حزب الله..وفي غزة بعد انسحابه منها وعدم قدرته على اجتياحها ثانية بفعل نمو وتطور أساليب المقاومة وأدواتها..ناهيك عن عجزه التام على مواجهة “التهديدات” الإيرانية المحتملة خاصة في مجال “القوة النوووية”، ولا يخفى على الكثيرين أن ما “يوحد” تجمعات “المستوطنين” في “فلسطين” المحتلة،ليس هو الثقافة أو التاريخ لأنهم آتون من بلدان مختلفة ثقافيا وتاريخيا،إنما يوحدهم “العداء”ّ المرضي للفلسطيني أولا ولـ”العربي” ثانيا.وقد لاحظنا جميعا تلك “الغارات” البشرية الغوغائية الاستفزازية على “القدس” وتواترها الزمني الكثيف، ما هي إلا محاولات محمومة لإمداد “الإديولوجية الصهيونية” بجرعات إضافية.وهكذا يمكن تفسير العدوان على “غزة” بوصفه جرعة أخرى لإيقاف حالة التفكك المستمر في الجسد الاستيطاني.. وجرعة أيضا لحكومة (يائير لبيد) الفاشلة علها تأخذ اصطناعيا يمكنها من الاستمرار سياسيا..
أما السبب الثاني يتمثل في تهديد “حزب الله” بالحرب،وتحديده لـ”سقف زمني” مرتبط في المدى القصير بالمفاوضات اللبنانية الإسرائيلية غير المباشرة حول ترسيم الحدود البحرية، وأحقية الجميع في استغلال “حقول الغاز”. وقد أعلن “حزب الله” أن على أمريكا أن ترسم حدود “لبنان” البحرية بما ترضى به الدولة اللبنانية وأن تسمح للشركات الممنوعة أمريكيا بالعودة للعمل دون قيود لاستخراج النفط اللبناني، وإلا فإن “حزب الله” سيمنع بالقوة العسكرية “الكيان الصهيوني” من استغلال الغاز على الشواطئ الفلسطينية المحتلة ابتداءً من “حقل كاريش”. وهكذا وضعت رسالة “حزب الله” الواضحة أمام “العدو الصهيوني” “معادلة التحدي” التالية : إما أن يستفيد الجميع من “الغاز”، وإما الحرب وضرب حقول الغاز التي تستغلها “إسرائيل” بالقوة الصاروخية الدقيقة. هذه المعادلة الجريئة زاد من جرأتها أنها مطروحة لزمن محدود ومحدد دون تسويف في “المفاوضات” والإمعان في تجويع الشعب اللبناني..
هكذا يبدو أن الخوف من اندلاع حرب على الجبهة اللبنانية يفسر لماذا يسعى “الكيان الصهيوني” الآن إلى أن يستفرد بـ”قطاع غزة” في الجنوب..لأنه يريد إضعاف قدرات المقاومة في الجنوب..عسكريا بالقصف الوحشي..وإعلاميا بدق إسفين بين “الجهاد” و”حماس”..حتى يتمكن من التفرغ لحرب قاسية محتملة في الشمال ضد “حزب الله”. و”إسرائيل” تعرف جيدا قوة “حزب الله” التي خبرتها في سنوات ما قبل تحرير الجنوب اللبناني وطرد قواتها سنة 2000، وكذلك في حرب 2006 التي تكبدات فيها خسائر فادحة في ألرواح والعتاد  ..فكيف إذن ستكون المواجهة مع “حزب الله” وهو مدعوما بقوة المقاومة في “غزة” ؟؟. ذلك ما يريده ويتمناه العدو الصهيوني،لكن ما هو محتمل وقوعه على أرض الواقع قد يربك كل “حسابات” الكيان الصهيوني، ويزيد في تفكك وتصدع جبهتك الداخلية الهشة أصلا.
كاتب مغربي