كشفت صحيفة هآرتس العبرية عن تفاصيل جديدة حول مذبحة كفر قاسم التي نفذها جيش الاحتلال ضد أبناء الشعب الفلسطيني في 29 تشرين الأول/ أكتوبر 1956، وراح ضحيتها 50 فلسطينيا دون ذنب؛ بينهم شيوخ ورجال ونساء وأطفال.
وفي شهادة حاييم ليفي، وهو قائد الفصيل الجنوبي لـ"حرس الحدود" التابع لجيش الاحتلال، الذي كانت كفر قاسم ضمن القطاع المسؤول عنه الفصيل الذي ارتكب المذبحة في كفر قاسم، ذكر أن "القائد قال له: إنه من المرغوب فيه أن يكون هناك عدد من القتلى"، وفق ما أوردته صحيفة "هآرتس" في تقرير لها أعده عوفر أديرت.
وسمحت الرقابة العسكرية الإسرائيلية بالكشف عن بروتوكولات سرية لبعض شهادات من شارك في تلك المذبحة البشعة، وسبق لجيش الاحتلال أن رفض نشر البروتوكولات بذريعة أن "مضمونها يمكن أن يعرض أمن إسرائيل للخطر".
وأشارت الصحيفة، إلى أن "مجزرة كفر قاسم وقعت في اليوم الأول من حرب 1956، والعرب في الداخل كانوا يخضعون للحكم العسكري، وفي تلك الفترة، كانت هناك مخاوف في الجيش من أن المواجهة مع مصر في القطاع الجنوبي ستتطور لحرب شاملة ستنضم إليها الأردن، لذا فقد تم فرض حظر التجول على سكان القرية التي كانت قرب الحدود، لكنّ قسما منهم لم يعرفوا عن ساعة حظر التجول، لأنهم كانوا يعملون خارج القرية، وعند عودتهم أطلقت النار عليهم على يد جنود حرس الحدود وقتلوهم".
وأكد ليفي، أنه تلقى الأوامر من قائده بقتل الفلسطينيين، وقال: "لقد أعطاني الأمر..، الآن أجد أن هذا لم يكن منطقيا، لكن في حينه اعتقدت أن هذا منطقي، وفهمت أن هذا ما يجب أن يكون، أدركت أن هذه هي السياسة والرغبة"، مضيفا أنهم "قالوا لنا: من تتم مشاهدته يجب قتله. المزاج كان في هذا الاتجاه".
وفي شهادته أمام المحكمة، تحدث ليفي أيضا عن خطة جيش الاحتلال لطرد الفلسطينيين من بيوتهم، "سواء الطرد بصورة فعلية أو بصورة سلبية، لعرب المثلث إلى الأردن، وهي الخطة التي سميت الخلد، حيث تم حفظها في النهاية ولم تطبق".
ونوهت الصحيفة إلى أن "الشهادات التي يتم نشرها الآن في البروتوكولات، تسمح بإلقاء نظرة جزئية على تفاصيل الخطة كما قدمت في غرف مغلقة في محاكمة المتهمين بارتكاب مجزرة كفر قاسم".
وفي رده على سؤال "ما هي الصلة بين طرد العرب وأمر إطلاق النار؟"، أجاب ليفي: "نتيجة لذلك، فإن عددا من السكان سيصابون بالخوف ويقررون أن يكونوا في الجانب الآخر".
ولفتت إلى أن ما ورد في البروتوكولات، يؤكد أن هناك "خطة للطرد أو الترانسفير لعرب المثلث أو قسم منهم، في حال اشتدت الحرب".
وأكدت عدة شهادات لجنود وردت في البروتوكولات، أن حظر التجول في قرى المثلث، "استهدف إلقاء الرعب في قلوب السكان الفلسطينيين لدفعهم نحو الأردن".
وردا على سؤال "هل شرحت للوحدة التي تحت مسؤوليتك، أن هناك توجها لإبقاء قتلى في كل قرية؟"، أجاب: "نعم، قائد الكتيبة، أكد أنه من المرغوب فيه أن يكون هناك عدد من المصابين، والقصد هو قتلى".
وأكد جندي آخر، أن التوجه لدى جيش الاحتلال في حينه، أن "يتم ترك عدد من القتلى في كل قرية من أجل أن تفتح الحدود في الغد، وعندها العرب سينقسمون إلى قسمين، هناك من سيهرب، والباقي سيكونون أغنام وديعة"، بحسب وصفه.
وورد في البروتوكولات، شهادة شموئيل ملينكي، قائد كتيبة لـ"حرس الحدود" كانت تنتشر في المنطقة، وشهد ملينكي أنه سأل ضابطا يدعى شدمي، ماذا عليه أن يفعل بالنسبة لسكان القرية الذين سيعودون إليها وهم لا يعرفون عن وجود حظر تجول، قال له شدمي: "أنا لا أريد مشاعر ولا أي اعتقال، الله يرحمهم؛ أي فليموتوا".
وأفاد أحد قادة الفصائل، غبرائيل دهان، أنه تلقى أمرا بإطلاق النار على العائدين، وبحسب شهادة دهان، قال ملينكي: "بدون مشاعر، من الأفضل أن يكون هناك بعض القتلى كي يسود الهدوء في المنطقة". بعد ذلك شهد دهان: "لقد وجدت 30 قتيلا من العرب".
وبحسب شهادته، سأل دهان الجندي الذي كان يقف إلى جانبه: "هل أنت المسؤول عن ذلك؟"، فرد: "نزلوا من السيارات، وتم إطلاق النار عليهم". وأكد دهان أنه قام بنفسة بإطلاق النار على الفلسطينيين من كفر قاسم، وقتل ثلاثة منهم.
وأفادت "هآرتس"، بأن "ثمانية جنود تمت إدانتهم في النهاية بتهمة التورط في المجزرة، وحكم عليهم بالسجن بأحكام تم تخفيضها، وتم بعد ذلك إطلاق سراحهم دون أن يقضوا معظم العقوبة، وجزء منهم حظوا فيما بعد بوظائف من قبل الدولة"، موضحة أن الاحتلال ما زال يرفض مشروع قانون للاعتراف رسميا بمجزرة كفر قاسم وتخليدها.