مع تناقض التقارير الإسرائيلية بشأن الزيارة المزمعة للرئيس الأمريكي جو بايدن الشهر القادم بسبب الأزمة السياسية لحكومة الاحتلال، فإن السيناريو المتفائل السائد حاليا في تل أبيب يتمثل في زيارة "رمزية"، يتفق بعدها مع السعوديين على زيادة إنتاج النفط، بجانب التقدم نحو التطبيع مع إسرائيل، لكن المشكلة التي تواجه الإسرائيليين والأمريكيين أنه بين هذا السيناريو المتفائل والواقع المعقد، فإن هناك الشرق الأوسط ومشاكله العديدة.
مع العلم أن زيارة بايدن لإسرائيل تم التخطيط لها كي تكون بمثابة احتفال للضيف والمضيفين على حد سواء، فقد توقعت حكومة بينيت-لابيد، وهي المضيفة، أن تحظى باحتضان رئاسي، خاصة أن الأجواء السائدة في واشنطن تشير إلى أن خلفاء بنيامين نتنياهو يوصفون بأنهم مؤسسو التحالف الأكثر تنوعا في تاريخ إسرائيل، باعتبارها إدارة براغماتية، ورد فعل على الشعبوية القومية التي أشاعها رئيس الحكومة السابق.
نداف آيال الكاتب الإسرائيلي ذكر في صحيفة "يديعوت أحرونوت"، أن "العقبة المفاجئة أمام إتمام زيارة بايدن وفق ما كان مخططا لها، لا أن تكون رمزية شكلية فقط، تمثلت بسلسلة الانسحابات المتلاحقة من الائتلاف الحكومي، ما أثار مزيدا من الرمادية والضبابية حول مستقبل الحكومة برمتها، والأمريكان باتوا يتداولون فرضية أن فرص بقاء التحالف الحكومي الإسرائيلي ليست عالية، وأصبحت الدائرة الضيقة المحيطة ببايدن في حالة من التشكك، لأنهم معتادون على استبدال رئيس كل أربع سنوات، ويجدون صعوبة في استيعاب معنى تغير النظام السياسي الإسرائيلي كل عدة أشهر، أو أسابيع، أو ساعات في بعض الأحيان".
وأضاف أنه "رغم كل ذلك، فإن لواشنطن مصلحة في الزيارة، ولعلها إشارة بأن مفاوضاتها مع إيران ليست خيانة لحليف وثيق، وقد تم تصميم الزيارة كي تحمل مزيدا من الرموز التي توضح التزام بايدن الشخصي تجاه إسرائيل، فضلا عن كون الزيارة ستساعد واشنطن على ابتلاع دواء مرير من خلال عقد لقاء محتمل بين بايدن وولي العهد السعودي محمد بن سلمان، الذي يعتبر منبوذا في الخريطة السياسية الغربية بسبب مقتل الصحفي جمال خاشقجي".
تتزامن زيارة بايدن مع تدهور الوضع الأمني في إسرائيل مؤخرا بسبب الهجمات الفدائية الفلسطينية، ويظهر التحالف الحكومي في حالة من التفكك، والإدارة الأمريكية لا تحب وضع عدم اليقين، فضلا عن ما سببه قتل الاحتلال للصحفية شيرين أبو عاقلة، وسلوكه الوحشي ضد جنازتها، من إلحاق ضرر كبير بصورة الحكومة الإسرائيلية بين الديمقراطيين الأمريكيين، صحيح أن الزيارة ما زالت حتى كتابة هذه السطور سارية المفعول، لكن لن يفاجأ أحد في إسرائيل بـ"تأجيلها" في اللحظات الأخيرة.
في الوقت ذاته، يظهر الأمريكيون حافزًا قويًا بشكل خاص للوصول إلى المنطقة لبحث أسعار الطاقة، وإذا كانت تل أبيب هي محور الوصول للشرق الأوسط عندما بدأ الأمريكان يفكرون بزيارة المنطقة، فقد تحول الوزن إلى الرياض، لأن إطالة أمد الحرب في أوكرانيا، والمعركة الروسية المصممة لرفع أسعار النفط والغاز تفرض أثماناً باهظة في الغرب، وعلى المستهلكين الأمريكيين.. صحيح أن الصيف بدأ للتو، لكن إدارة بايدن بحاجة للتفكير بخصوص الشتاء المقبل؛ ما يستدعي منها زيادة إنتاج النفط من الخليج العربي، أولاً وقبل كل شيء من السعودية، كي تؤدي إلى اعتدال الأسعار الأمريكية، وكبح جماح التضخم.
وفيما يتحضر بايدن لزيارة المنطقة، بينها إسرائيل والسعودية، فإن ابن سلمان يفكر هو الآخر برحلة إلى عدة دول منها اليونان وتركيا وقبرص والأردن ومصر، وستتناول محادثاته التجارة والطاقة، مع حديث إسرائيلي متزايد عن دفء في العلاقة غير الرسمية مع الرياض، وهو دفء ذو أهمية إقليمية، وسياسية داخلية لحكومة بينيت-لابيد.
الراجح إسرائيليا أن السيناريو المتفائل من زيارة بايدن أن تكون متعاطفة ورمزية، ثم سيتفق مع السعوديين على زيادة إنتاج الطاقة، مقابل حصولهم على التزام أمريكي متجدد بأمنهم، وفي نفس الوقت يبدأون التحرك علنًا، وإن كان متواضعًا، نحو التطبيع مع إسرائيل، لكن المشكلة الإسرائيلية أنها تتعامل مع الشرق الأوسط، حيث إن المفاجأة تكون فقط عندما لا تكون هناك مفاجأة، ما قد يربك أجندة الزيارة كلها، إن حصلت فعلا.
عربي 21