ما لا تريد إسرائيل أن تفهمه.. صراعها مع الفلسطينيين سياسي لا أمني وعسكري..

السبت 07 مايو 2022 04:33 م / بتوقيت القدس +2GMT
ما لا تريد إسرائيل أن تفهمه.. صراعها مع الفلسطينيين سياسي لا أمني وعسكري..



كتب حماد صبح :

زلزلت عملية إلعاد شرقي تل أبيب إسرائيل زلزلة عنيفة بعد زلزلات العمليات التي سبقتها، وتابعت إسرائيل أسلوبها المألوف في تقييم هذه العمليات والرد أمنيا وعسكريا عليها، وهي، طبعا، لم ترد عسكريا حتى كتابة هذه السطور عصر الجمعة، على العملية الأخيرة إلا أن الأصوات تتعالى فيها مطالبة برد قاس يشمل اغتيال يحيى السنوار رئيس حماس في غزة الذي حث الفلسطينيين منذ أيام على مقاومة اعتداءات الإسرائيليين بالسلاح الناري والسلاح الأبيض. ومن صور متابعتها لأسلوبها المألوف في مواجهة المقاومة الفلسطينية إرسالها وفدا سياسيا وأمنيا إلى القاهرة يحمل تهديدا إلى المقاومة في غزة.
وسيتكرر ما حدث سابقا: سيسرع وفد مخابراتي مصري إلى غزة  ليبلغ المقاومة بمضمون التهديد الإسرائيلي ، وأن من الحكمة تجنب مقاومة جرائم إسرائيل التي لا تكف عنها، وتهدد هذا الشعب بمضاعفتها إن هو قاومها. والطبيعي  أن تخبر مصر إسرائيل أن هذه الجرائم هي التي تفجر المقاومة الفلسطينية ، وأن البادىء بالعدوان ملزم بوقفه قبل أن يطلب ممن يعتدي عليهم ألا يقاوموه.
ويبدو أن مصر لا تخبر إسرائيل بهذه البديهية اجتنابا لإغضابها وإغضاب أميركا وحلفاء إسرائيل من العرب ، وتركز كل الضغط واللوم على المقاومة ، وهذا الموقف يشجع إسرائيل ويوهمها بأنها محقة في جرائمها ومظلومة من المقاومة الفلسطينية لهذه الجرائم . ولم يبتعد عباس عن الأسلوب المصري.
أدان قتل المدنيين إسرائيليين وفلسطينيين، وهو ما فعله عقب عملية رعد حازم في تل أبيب ، وزعم أن هذه العمليات تؤدي إلى زيادة تدهور الأوضاع في الوقت الذي ” نسعى فيه جميعا إلى تحقيق الاستقرار ومنع التصعيد “، ومن تشمل “جميعا” هذه ؟! قطعا تشمل السلطة الفلسطينية وإسرائيل في رأي عباس، لكن الواقع أن إسرائيل ليست مشمولة بها ، وأنها موقوفة على السلطة وحدها .
وأي استقرار للشعب الفلسطيني ضحية عدوان إسرائيل يراد تحقيقه ؟! الاستقرار مؤداه السكوت على هذا العدوان الذي لا يتوقف قتلا واعتقالا للفلسطينيين ، وتهديما لبيوتهم ، واستيلاء متلاحقا على أراضيهم بالاستيطان ، وتشديدا للحصار على غزة. مصر والسلطة تتناغمان مع إسرائيل في طلبها حرية فعل ما تشاء في كل فلسطين. ومن صور أسلوب إسرائيل المألوف في تقييم عمليات مقاومتها ؛ تعليل نجاح هذه العمليات بفشل الشاباك في توقع هذه العمليات ، ومن ثم إحباطها استباقيا ، وفي قلب هذا الفشل قصور العنصر البشري في الإنذار المسبق من هذه العمليات . وهذه صورة أسلوب هروبي تسويغي.
الشاباك لا ينقصه معلومات عن خطط وتحركات المقاومة الفلسطينية ، والتنسيق الأمني مع السلطة باب مفتوح فعال لهذه المعلومات باعتراف إسرائيل والسلطة ذاتها . والعلة  الحقيقية في فشل الشاباك في كشف العمليات وإحباطها استباقيا ؛ مصدرها الأساسي أن الذين يقومون بها في أكثريتهم أفراد لا علاقة لهم تنظيمية بحركات المقاومة الفلسطينية التي تراقبها السلطة وإسرائيل مراقبة حثيثة لصيقة بوسائل بشرية وتكنولوجية . إنهم من الصنف الذي يسميه الإسرائيليون الذئاب المنفردة الذين لا يطلعون أحدا على نواياهم وخطوات تحركاتهم ، وسلف أن اعترف إسحاق رابين رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق بعجزه عن صد هذا الصنف من المقاومين الفلسطينيين، وقال: ” كيف أمنع إنسانا يريد أن يموت؟!”.
وكل صور أسلوب إسرائيل في الرد على المقاومة الفلسطينية مألوفة معادة  ولا فائدة لها منها . إنها دوران في حلقة مفرغة . تدور ثم تحور إلى حيث بدأت ؛ لأنها  ببساطة  تتعامل مع القضية الفلسطينية ابتداء من مغالطة كبرى ؛ خلاصتها أنها دولة طبيعية تعيش في وطنها ، وأن الفلسطينيين الذين يقاومونها معتدون إرهابيون ، وأن  حقها الشرعي أن تقاوم عدوانهم وإرهابهم بكل وسائلها الأمنية والعسكرية التي تقول إن  ما تمتلكه منها يوازي  نسبة ألف إلى واحد مما تمتلكه المقاومة الفلسطينية ، والأعلى نسبة في هذه الموازنة ، مثلما تؤمن ، سينتصر حتما على الأدنى . وهكذا توالي اللجوء إلى الوسائل الأمنية والعسكرية في صراعها مع الفلسطينيين ، وتلوذ بمصطلحات قتالية تبيانا لهذا التوالي المخفق العقيم مثل ” توجيه اللكمات ” بين وقت وآخر إلى غزة ، و “المعركة بين الحربين “، والمصطلحان متشابهان لباباً ، ويؤكدان دورانها في حلقة مفرغة حتى على مستوى المصطلح التعبيري .
وهي باتت عاجزة حتى عن توجيه اللكمات إلى غزة أو خوض معركة بين حربين ضدها . وبلغت في الكرى الرابعة والسبعين لسرقتها وطن الفلسطينيين  مفترق طرق تاريخيا ، وعليها أن تختار السير في ما تشاء من تفرعاته ، والمحتوم المحسوم أن أيا من هذه  التفرعات لن ينتهي بها إلى البقاء في وطن الفلسطينيين . ويا له من جنون فريد أن يتوهم  مستوطنوها أن الفلسطينيين سينسون وطنهم ، ولا يطاردونهم بكل وسيلة لزلزلتهم بين وقت وآخر حتى يأتي ” اليوم الأسود ”  للهجرة المعاكسة الذي تحدث عنه كاتب مقال يوما في ” يديعوت أحرونوت ” حين علم بشراء مستوطني دولته شققا في بلدان أ خرى يحبون أن يهاجروا إليها .
                                      ***
سألت الكاتبة الفرنسية فيفيان فورستييه مؤلفة كتاب    le crime  occidental ( جريمة الغرب ) الحكومات والمجتمعات الأوروبية  في ذلك الكتاب : ” من أحرق من ؟! أهم عرب فلسطين الذين أحرقوا يهود أوروبا أم الأوروبيون هم الذين أحرقوهم ؟! من جوع من ؟! أهم عرب فلسطين الذين جوعوا يهود أوروبا أم نحن من جوعهم ؟! من أقام المقابر الجماعية ؟! أهم عرب فلسطين أم نحن الأوروبيون ؟!  من هجر سكان فلسطين الأصليين ، ثم احتلها بالقوة والترهيب ؟!  الفلسطينيون أم اليهود ؟! وتجيب على أسئلتها : ” نحن _ الأوروبيين _ صنعنا هذه المأساة للشعب الفلسطيني ، وأشعنا الفوضى في العالم العربي . نحن _ الأوروبيين _ لفظنا اليهود ورميناهم في فلسطين . نحن _ الأوروبيين _ غسلنا عارنا بدماء الفلسطينيين ، وتركنا اليهود يتفننون في ذبحهم  وهدم بيوتهم وتهجيرهم والاستيلاء على أرضهم واحتلال وطنهم تحت عيوننا ، وجعلنا المظلومين إرهابيين ظالمين”، وتنهي أسئلتها ناصحة: “ردوهم إلى أوروبا ! وابحثوا عن محارقهم وأفران الغاز في أوروبا لا في فلسطين !”.