ماذا بعد عملية العاد؟ اسيا العتروس

السبت 07 مايو 2022 04:30 م / بتوقيت القدس +2GMT
ماذا بعد عملية العاد؟ اسيا العتروس



ريم يونس، والدة  كريم يونس عميد الاسرى  الفلسطينيين  عضو اللجنة التنفيذية لحركة فتح و من طينة الاسرى الذينَ قَدَّموا ولا يزالونَ أعمارَهُم ثمنا للحلم الذين نشأووا عليه وثمناً للكرامةِ  المصادرة والقضية والأرض..ظلت تنتظره اربعين عاما  و تحلم بتزويجه و احتضان ابناءه تماما كما انتظرت شقيقه و عندما اقترب الموعد مع الحرية الذي لم يبقى عليه اكثر من سبعة اشهر أبى القدر الا ان ترحل قبل ان تكحل  نظرها بطلعته …رحلت ريم يونس و لم يكتب لها احتضان ابنها الذي اسر طفلا و بات اليوم كهلا  … رحلت والدة عميد الاسرى كما رحل قبلها  الكثير من امهات  الاسرى قبل انيتحقق الحلم …قبل اشهر نكبت الاسيرة و المناضلة الفلسطينية الشرسة خالدة جرار التي فجعت في رحيل ابنتها و هي اسيرة الاحتلال و فجعت قبل ذلك في والدتها و الامثلة كثيرة و متعددة و هي تشهد على معاناة مزدوجة مع سلطة الاحتلال و مع عالم لم يعد معه للمستضعفين امل …
ريم يونس عنوان في مسار القضية الفلسطينية الطويل و لكنه عنوان يختزل معه الوجه الاخر المنسي للمعركة التاريخية الانسانية التي تأبى ان تتراجع او تختفي على وقع الاحداث المتسارعة و فيها ايضا ما يحيلنا على الحقيقة المؤلمة و مفادها أن الاحتلال الاسرائيلي البغيض يبقى اصل الداء و هو الذي ما انفك يبحث و يمهد الطريق نحو احياء الانتفاضة الثالثة و عودة  كل اسباب المقاومة الى المشهد بعد ان انسدت الافاق و تراجعت الامال و غابت البدائل لشرق اوسط مختلف
لم تمنع كل الاجهزة الاستخبارية و العتاد العسكري الاستثنائي الذي يتوفر لكيان الاحتلال و للمستطونين الصهاينة من تكرار العمليات الفدائية داخل الخط الاخضر و في أكثر المواقع حراسة و امنا و تحصينا , صحيح أنه لن يكون بامكان منفذي العملية الاختفاء طويلا عن انظار جيش الاحتلال الذي يفرض  مراقبة مستمرة و لصيقة بمختلف المناطق الفلسطينية و صحيح انه لن يطول تواري هؤلاء عن الانظار بعد ان حول الاحتلال ما بقي من اراضي  الضفة و القطاع الى  اكبر سجن في العالم و لكن الارجح أن ما حدث قد لا يكون نهاية المطاف و سيعود شباب فلسطينيون متى امكنهم ذلك الى تكرار ما حدث مهما كانت النهاية التي تنتظرهم و هم الذين يعرفون ان الاعدام ينتظرهم والامر هنا مرده سبب بسيط و لكن حكومات الاحتلال المتعاقبة ترفض اقراره و الاعتراف به و ان اسرائيل كقوة محتلة مدعومة من القوى الدولية لا يمكنها ان تفوز الى ما لا نهاية بالسلام و الارض دون مقابل  و ان يظل قدر الفلسطينيين العيش تحت قيد الاحتلال و معاناة الاسر و التشرد و اللجوء …
بعيدا عن الاوهام يبقى الحل الوحيد الذي يمكن ان يغير وجه المنطقة مرتبط  بالتوصل الى حل  يبدو منطقياقريب و ممكن و لكنه عمليا اقرب للسراب و الحل يختزل في التعايش   السلمي و الاقرار بحق الشعب الفلسطيني في تقرير المصير في دولته على الحدود المعترف بها التي اقرتها الامم المتحدة في جوان ال67 و هي برغم ما فيها من اجحاف  تبقى السيناريو الوحيد الذي يمكن ان يقدم طوق النجاة للجميع لو توفرت الارادة السياسة و استدرك المجتمع الدولي واعاد لمفهوم العدالة الدولية مكانتها ولكن حتى هذه المرحلة يتحول تاريخ اغتصاب  فلسطين الى ذكرى استقلال  اسرائيل تستمرعملية تزييف التاريخ والجغرافيا والهوية ..
والى ان يتحقق ذلك في غضون سنة او عقد او قرن  من الزمن فستعود العمليات الفدائية متى وجد اصحابها اليها سبيلا …و قد لا نبالغ اذا اعتبرنا ان سلطة الاحتلال قد تدفع  قصدا الى هذه الخيارات التصعيدية لانها  تعزز دورها كضحية  ولانها تمنحها الحصانة و توفر لها المبررات لممارساتها  التي ترقى الى الجرائم ضد الانسانية ضد الشعب الفلسطيني …و طبعا ستجد اسرائيل في ردود الافعال و التعاطف الدولي ما يدفعها الى مزد العمليات الانتقامية ظنا ان في ذلك ما يمكن ان يقتل نفس المقاومة و التصدي للاحتلال  لدى الفلسطيننين وفق نبوة غولدا مائير بان الكبار يموتون و الصغار ينسون فجاءت الاحداث على غير ما يأملون اذ مات الكبار و توارث الصغار القضية في دمائهم و زادهم وعيهم و قناعتهم بانه لا مجال للتعويل على الاشقاء و الاجوار العرب ممن  اصيبوا بداء هشاشة الذاكرة و انساقوا الى خيار التطبيع لا هثين غير ابهين ..
لعله من المهم و قبل محاولة فك رسائل العملية الفدائية التي وقعت فجر امس على مشارف تل ابيب و التي  سجلت مقتل ثلاثة مستوطنين متطرفين   الاعتراف ان العملية كانت متوقعة من الجميع سواء تعلق الامر بالاحتلال الذي تلقى صفعة جديدة تضاف لسلسلة الصفعات التي تلقتها الاستخبارات الاسرائيلية بعد العمليات المنفردة التي قادها شباب فلسطينيون لم يعرفوا النكسة و لا النكبة بل هم ولدوا و نشأووا  في ظل اجواء  اتفاقيات مدريد و اوسلو التي يكتشفون انها لم تمنحهم  حق التقرير المصير و لا هي وفرت لهم الحق في الحياة والكرامة و الحرية التي  تطلعت اليه اجيال فلسطينية ,أو كذلك بالنسبة للسلطة الفلسطينية ليس بامكانها ان تظل حارسا ساهرا على مصالح الاحتلال و لا أيضا بالنسبة لمتتبع سير الاحداث في فلسطين المحتلة مع تفاقم مظاهر القمع و الترهيب الذي تمارسه حكومة بينيت ..و هي متوقعة ايضا لان ممارسات الاحتلال تجاهلت كل التحذيرات   و تجاوزت كل الخطوط الحمراء و طالت المقدسات وامتدت الى المسجد الاقصى لتستهدف المصلين و تدنس المكان و تشرع الابواب أمام المتطرفين لاحياء ما يسمونه ذكرى الاستقلال الذي يبقى في الحقيقة تزييفا للتاريخ و تزويرا للحقائق باعتباره يتزامن مع ذكرى اغتصاب الارض الفلسطينية ..
والتزييف يمتد الى الغاء الهوية واستبدال اسماء المدن و القرى الفلسطينية باخرى عبرية و من ذلك ان مستوطنة العاد و تعني في مفهوم الجماعات الدينية المتصهينة نحو مدينة داوود وقد  أقيمت المستوطنة على أراضي قرية المزيرعة على الجنوب من راس العين وبلدة مجدل الصادق القريبة من الضفة الغربية على الجهة المقابلة بلدة دير بلوط… قبل نشر هذا المقال قد تكون قوات الاحتلال تمكنت من الوصول الى منفذ او منفذي عملية العال والانتقام منهم  و التنكيل بهم بابشع الطرق لكن الاكيد انها لن تتمكن من مصادرة ارادة غيرهم في تكرار ما حدث طالما استمر الظلم قائما …
كاتبة تونسية