تدور على أرض فلسطين التاريخية حربا متصلة، ليس فقط بين الفلسطينيين سكان البلاد الأصليين والمستوطنين المدعومين من قوات الجيش والشرطة وحرس الحدود بل أيضًا بينهم وبين ميليشيات نظامية مسلحة تعمل في صفوف الجيش والشرطة النظامية. ففي حين يخوض الفلسطينيون المعركة باسم الدفاع عن الأرض تخوض سلطات الاحتلال وميليشياتها الحرب تحت شعارات متعددة تروج لرواية شائعة بين صفوف الجيش وميلشيات المستوطنين ومنظماتهم الإرهابية، حول حرب مقدسة تخوضها إسرائيل على الأرض “التي وعد الرب شعبه المختار بها”، خاصةً مع التزايد المضطرد لجهود التبشير الديني للحاخامات الذين يعملون دون كلل لزيادة تأثيرهم في أوساط الجيش والشرطة وبناء ميليشيات مسلحة في إطارهما ورعاية ذلك عبر السماح بتأسيس المدارس الدينية العسكرية التمهيدية “يشيفوت هسدير ” أو “مدارس التسوية ” التي أقيمت بهدف الإشراف على الجنود المتدينين، حيث يُجنَّد الملتحقون بها لمدة 18 شهرا ، ويصل عدد هذه المدارس داخل الخط الأخضر اليوم ـ42 مدرسة منها، 13 مدرسة تقع في مستوطنات الضفة الغربية، وفق ما جاء في التقرير الأسبوعي للمكتب الوطني للدفاع عن الأرض ومقاومة الاستيطان.
ومؤخرا جرى الكشف عن ظواهر خطيرة وتبعث على المزيد من القلق بفعل تحول مئات الإسرائيليين المتطوعين في جهاز الشرطة فيما يسمى “سرية بارئيل” إلى ميليشيا مسلحة تعمل ضد المواطنين العرب في النقب بدعوى «فرض النظام وسلطة القانون وإنقاذ النقب من مشكلة التزايد الملحوظ للمواطنين الفلسطينيين سكان البلد الأصليين، الذين يواجهون سياسة الاحتلال التمييزية والعنصرية في جميع ميادين حياتهم وعلاقتهم بأرض آبائهم وأجدادهم.
ويتوزع منتسو”سرية بارئيل” لثلاث سرايا: الأولى سرية تدخل وهي النخبة، حيث تخضع لتأهيل لمحاربة “الإرهاب”، وسرية الدوريات وتخضع لتأهيل لإطلاق النار وتولي صلاحيات الأمن العام، وسرية قتالية مهمتها إدارة كل ما يتطلبه تحجيم انتشار المواطنين الفلسطينيين خاصةً في القرى غير المعترف بها.
ويقابل “سرية بارئيل” في النقب، كتيبة “نيتساح يهودا” في الضفة الغربية التي يخدم فيها يهود متعصبون دينيًا ويستوطن قسم منهم في البؤر الاستيطانية العشوائية بالضفة الغربية. و”نيتساح يهودا” ميليشيا تطورت كوحدة في جيش الاحتلال، وينفذ جنودها الذين ينتمون لعائلات مستوطنين في المنطقة اعتداءات ضد الفلسطينيين. وقد جرت محاولات لتفكيكها إلا أن تقديرات قادة في جيش الاحتلال تشير إلى أن تفكيكها سيكون بمثابة إعلان حرب بالنسبة لقادة المستوطنين، لان الكتيبة تنتمي إليهم وتعمل لصالح المستوطنات، وعادةً ما يدخل قادة المستوطنين إلى مقرها بصورة حرة ويتحدثون مع جنودها.
وتظهر المعطيات أن 3.8% فقط من الجرائم التي ترتكب على خلفية قومية من قبل عناصر يعملون في كتيبة “نيتساح يهودا ” ومن مجموعات المستوطنين بحق الفلسطينيين في الضفة تنتهي في نهاية المطاف بلا لائحة اتهام، وأنه تم إغلاق أكثر من 221 شكوى فلسطينية من أصل 263 ما بين أعوام 2018– 2020، ولغاية الآن تم تقديم لوائح اتهام لعشرة شكاوى، والبقية ما زالت قيد التحقيق.
يطارد الاحتلال قرى القدس التي هجر أهلها عام 1948 ويعمل على استكمال تهويدها عبر مشاريع استيطانية متتالية، حيث صادقت اللجنة اللوائية للتخطيط والبناء على إنشاء 1200 وحدة سكنية في حي “كريات هيوفيل” المقام على أنقاض أراضي قرية سطاف المهجرة بالقدس الغربية، وتبلغ مساحة المخطط الإجمالية نحو 50 دونما ويقع في الطرف الغربي من الحي على مقربة من حي عين كرم .
ومن إجمالي الوحدات السكنية في البرنامج، سيتم تخصيص نحو 240 وحدة للشقق الصغيرة. وإلى جانب الوحدات السكنية، تتضمن الخطة حوالي 2000 متر مربع لمناطق التوظيف، ونحو 28 ألف متر مربع للمباني العامة.
وستستخدم المباني العامة لبناء معابد يهودية، ومدرسة ابتدائية، وأخرى ثانوية و11 روضة أطفال، بالإضافة إلى مبان للرعاية الاجتماعية والمجتمعية.
وعلى صعيد آخر، رحب المكتب الوطني للدفاع عن الأرض ومقاومة الاستيطان بالتقرير الصادر عن المقرر الأممي لحقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية المحتلة منذ 1967 مايكل لينك، الذي عدًّ أن الوضع في فلسطين المحتلة يرتقي لنظام الفصل العنصري، وهذا التقرير النهائي للينك، قبل انتهاء ولايته التي استمرت ست سنوات.
وقد وثق بالأحداث والوقائع تطبيق إسرائيل لنظام الفصل العنصري، ويوضح التقرير بالتفصيل كيف أنشأت إسرائيل نظاماً للقمع بدوافع عنصرية ضد الفلسطينيين تم تصميمها علنًا للإبقاء على الهيمنة اليهودية الإسرائيلية وإدامتها من خلال ارتكاب انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان.
وطالب المكتب الوطني المجتمع الدولي والمحكمة الجنائية الدولية النظر في جريمة الفصل العنصري واتخاذ قرار حاسم وشجاع بتبني هذه التقارير المتتالية التي تؤكد بالوقائع تبني إسرائيل سياسة الفصل العنصري وفرض عقوبات على دولة الاحتلال للتراجع عن سياساتها الإجرامية وانهاء الاحتلال.