بعد تأكد أجهزة أمن الاحتلال الإسرائيلي أن الشهيد محمد أبو القيعان منفذ عملية بئر السبع انطلق من قرار ذاتي، ودون توجيه من أحد، أو تجنيد من المقاومة الفلسطينية، فقد عادت إلى أذهان كبار ضباط الأمن الإسرائيلي مفردة "العمليات الوحيدة"، أو "الذئاب المنفردة"، التي تتخذ قرارها على الفور بتنفيذ هجوم ضد جيش الاحتلال أو المستوطنين، دون إنذارات أمنية مسبقة، مما يزيد من مخاطر هذه العمليات، لأنها تفاجئ الأمن الإسرائيلي من حيث لا يتوقع.
في الوقت ذاته، تزيد المخاوف الإسرائيلية لأن العديد من منفذي العمليات الفردية هم بالأساس شخصيات غير مألوفة لدى الأجهزة الأمنية الإسرائيلية، رغم أن مثل هذه النماذج عاشها الاحتلال خلال انتفاضة السكاكين في 2015، حين كان ينفذ العمليات رجال كبار، متزوجون، مرتاحون ماليا، ولديهم أطفال، وليسوا عاطلين عن العمل، بل إنهم محترفون.
نداف شرغاي الكاتب في صحيفة "إسرائيل اليوم"، ذكر أن "العمليات الفردية التي تشهدها إسرائيل بين حين وآخر، نجح منفذوها في إيقاع عمليات خطيرة".
وأضاف أن "أوساط الأمن الإسرائيلي تعتقد أن الهجمات الفردية في معظمها تأتي انطلاقا من الرغبة بالتقليد والمحاكاة، أو باسمها الآخر "هجمات الإلهام"، وطالما أننا عشية يوم الأرض وشهر رمضان، فإنهما يعنيان أن يشكلا أرضية خصبة لمفاقمة ظاهرة العمليات الفردية، مما يستدعي من أجهزة الأمن الإسرائيلية الحرص على عدم الوقوع في الإهمال مرة أخرى، لأن أي هجمات مسلحة، دعسا أو طعنا أو نارا، لا تنشأ في الفضاء من لا شيء، بل إن الأجواء هي التي تخلق دوافع الهجمات".
تبدي أجهزة أمن الاحتلال رغبة حثيثة بالتعرف على الدوافع الشخصية والذاتية لكل منفذ عملية على حدة، بهدف التوصل إلى الغايات الحقيقية من ظاهرة الهجمات الفردية، التي جسدت لسنوات طويلة مناسبة ملائمة لتمجيد العمليات والجهاد، وكأننا أمام سياسة "الزراعة والحصاد"، التي ينتهجها المنفذون الوحيدون، بافتراض أنه كلما زادت الضربات على الجبهة الداخلية الإسرائيلية، ستضعف قدرتها على الصمود، وهذا توجه مقلق لإسرائيل، ربما يحتاج إلى معالجة.
عزرا ساعر، الضابط البارز السابق في جهاز "الشاباك"، والباحث بمعهد دراسات الإرهاب في جامعة رايخمان، اعترف في حوار مع موقع ويللا أن "فشل جهاز الأمن العام في إحباط الهجوم الفردي يعود سببه إلى أننا لا نعرف دائما كيف نحدد مكان المنفذ مسبقا، وبالتالي فسنكون عرضة للكارثة، وسنخسر كل الأدوات الموجودة، لأن الشاباك ليس لديه القدرة على الوصول إلى كل مسلح قبل تنفيذ الهجوم".
وأضاف أنه "في ظل وجود الكثير من الأسباب، فإننا لا ندرك كيفية تحديد مكان المنفذ في الوقت المناسب، لأننا ببساطة لا نعرف دائمًا ما يدور في ذهن أي فلسطيني، حتى لو لجأنا إلى مختلف البرمجيات الذكية، والأكثر سرية، من أجل الوصول إلى نتيجة قد لا تكون موجودة على الإطلاق".
لعل ما يقلق أجهزة الأمن الإسرائيلية في هذه الآونة أن تقع عمليات أخرى تحت وقع التقليد والمحاكاة، مما يدفعها للعمل الميداني المكثف في محاولة لاستبعاد احتمال وجود تهديدات فردية، لأن الفحص الأولي الذي أجرته المؤسسة الأمنية عقب كل عملية فردية يظهر أن المنفذين لم يتخذوا أي إجراء قبل الهجوم الذي من شأنه أن يثير الشبهات في جهاز الشاباك.
صحيح أن الماضي الأمني للعديد من منفذي تلك الهجمات الفردية معروف للأمن الإسرائيلي، لكن جهاز الأمن العام والشرطة والجيش لم يتمكنوا من إحباط سلسلة من أخطر الهجمات الفردية في السنوات الأخيرة، رغم أنها تحوز كامل الأدوات الأمنية والتجسسية التي يسمح لها القانون بمراقبة الفلسطينيين، ورصدهم، وتعقبهم، سواء المكالمات الشخصية، أو التعبيرات والنشاطات غير العادية على شبكات التواصل الاجتماعي، والأجهزة الخلوية.
عربي 21