لماذا تقصد الرئيس التركي رجب طيب آردوغان عدم إظهار اي ابتسامة من اي نوع وهو يستقبل رئيس الكيان الاسرائيلي اسحق هيرتسوغ في زيارة مثيرة جدا صنفها الاتراك بانها تاريخية وإحتفى بها الاعلام العبري وتعامل معها معسكر التطبيع العربي بحماس فيما يبدو ان الحزب الحاكم في تركيا تقصد ان يظهرها باعتبارها زيارة اضطرارية او بمعنى اخر زيارة عمل ومصالح؟.
الرئيس آردوغان ولمن يعرفه من خبراء لعبة الاعلام والكاميرا في إسطنبول وانقرة لم يكن على طبيعته المعتادة حيث يصر اثناء الحديث واستقبال القيادات والزعامات على ارسال مؤشرات كبيرة على الثقة والحماس.
لكن تلك المؤشرات إختفت فقد نظر الى جانب الكاميرا وهو يلتقط صورة يتحمس الرئيس الاسرائيلي لالتقاطها واضعا يديه الاثنتين مقابل يد واحدة وهي اليد التركية.
بالمقابل واثناء المؤتمر الصحفي ظهر الرئيس اردوغان بدون اي ابتسامة ولم تصدر معه اثناء الاستقبال والوداع وحتى في المؤتمر الصحفي لم تصدر عنه اي ابتسامة من النوع الذي يقول الخبراء في آردوغان انه يجيده اثناء الكاميرات بالعادة.
بعيدا عن الشكل وفي سياق المضمون إستبق حزب التقدم و العدالة الحاكم وعبر لجنته السياسية على المستوى الاعلامي وفي المنابر الاعلامية التركية الداخلية تلك الزيارة الاسرائيلية بجملة من التأكيدات على ثوابت الحزب والدولة التركية بخصوص مناصرة الشعب الفلسطيني والاهتمام في قضية القدس وعدم فرض وقائع على الأرض والتركيز سياسيا ودبلوماسيا على مسالة الدولتين.
حتى الرئيس آردوغان تحدث في اللقاء الصحفي العابر عن إيمان تركيا بحل الدولتين وعن اهمية وضع القدس بالنسبة للشعب التركي.
وتقصد بالضرورة الرئيس اردوغان لكي ينتج انطباعا للعالم العربي على الاقل وللشعب الفلسطيني بان تركيا تقف مع حقوق الشعب الفلسطيني وبالتالي اشار الرئيس التركي وهو يستقبل المسؤول الاسرائيلي الى ان الحوار السياسي بين الجانبين مقيد او اساسه المصالح معربا عن امله في ان تحصل مراعاة للحساسيات المتبادلة.
لاحظ المرافقون والدبلوماسيون الغربيون بان الزيارة وخلافا لعادة القصر الجمهوري لم تنتهي بإعلان بيان مشترك.
كما لاحظ الجميع بان عبارة “مراعاة الحساسيات المتبادلة” هي اقرب الى مقدمة لكي يقول الاتراك ضمنا بان الحكومة الجديدة مع الجانب الاسرائيلي بعد حل عدة اشكالات قائمه بين الجانبين هي مسالة تعتمد في مستقبلها السياسي وثباتها على مراعاه الحساسيات المتبادلة مع ان المراقبين لا يعرفون ما هي الحساسيات الخاصة باسرائيل و التي ينبغي على تركيا ان تحترمها وتراعيها فيما المعروف للجميع ما هي تلك الحساسيات التركية التي يريد اردوغان من الاسرائيليين احترامها ورعايتها.
في الجانب التركي التأكيد على ان آردوغان يتحدث عن موضوع القدس ويتأمل ان يبقى الاسرائيليون على الامر الواقع ولا يحاولون تغييره في القدس خلافا للتركيز على حل الدولتين.
لكن عندما يتعلق الأمر بحساسية الاسرائيليين المطلوب مراعاتها من الاتراك ثمة كلمات وعبارات والفاظ تعبيرات لها علاقة حصريا بالعمل العسكري وبعدم تقديم اي رعاية من اي نوع للجناح العسكري لفصائل المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة .
والإلتزام قدر الامكان بعدم إعلان الحرب على الحصار الاقتصادي لقطاع غزة وتلك اثمان يبدو ان المؤسسة التركية مستعدة لدفعها خصوصا وان السر الاهم في الحماس التركي لاستقبال الرئيس الاسرائيلي رغم العلم المسبق بانه ليس صاحب قرار في الحكومة اليمنية الحالية على الاقل هو”إتقاء شر” اسرائيل في ترتيبات الغاز والمتوسط أو على حد تعبير قيادي فلسطيني “مكافاة شر” خصوصا بعد التهديد الإسرائيلي بدعم “الإنفصاليين والإرهابيين الكراد” إذا لم تتحسن الإتصالات.
رغم ذلك الزيارة اتخذت طابعا سياسيا رمزيا واصلها ودافعها هو اولا الضغوط الكبيرة حسب مستشار مقرب من الرئاسة التركية التي مورست على اردوغان بخصوص تطبيع العلاقات مع اسرائيل من جهة الرئيس الامريكي جو بايدن وادارته اضافة الى حسابات تصدير الغاز والاشكالات في البحر الاسود الان وقبلها الحسابات التركية المتعلقة باستثمارات النفط والغاز والرغبة التركية في تحييد اسرائيل قليلا تمريرا لمصالح الغاز التركية بعيدا عن الاجندة المتوترة في العلاقة بين تركيا واليونان وقبرص.
بكل حال قبل زيارة هيرتسوغ وصلت الرسائل من القيادة التركية لشخصيات مهمة في قيادة الحركات الإسلامية وتحديدا لبعض رموز المقاومة الفلسطينية تؤكد بان العلاقات التحالفية ورغبة تركيا في احتضان حركات المقاومة الفلسطينية و اجراء حوارات ودعم خياراتها لن تتأثر بالتطبيع الاسرائيلي التركي الجديد.
كما تضمنت الرسائل نفسها اشارات الى ان تركيا ليست بصدد تقديم اي دعم لمشروع سياسي او أمني اسرائيلي من النوع الذي يمس بحقوق الشعب الفلسطيني .
والواضح هنا ان الجانب التركي وجد نفسه مضطرا لتقديم تلك الايضاحات والتفسيرات لحلفائه واصدقائه والمقربين منه في المقاومة الفلسطينية وتحديدا في حركة حماس الامر الذي انطوي على مجاملة كبيره لكنه تضمن التأشير على ان مسالة اعادة احياء العلاقات مع اسرائيل هي جراء ضغط امريكي ثم اماراتي ومصري في الواقع.
اضافة الى انها عودة لتأسيس حوار مصالح ولها علاقة بحسابات اقتصادية تركية على البحر المتوسط في مجال الطاقة وليس في اطار اي حسابات يمكن ان تقود لانقلاب تركي على الفلسطينيين تلك توضيحات يبدو ان بعض الشخصيات الفلسطينية تلقتها من الجانب التركي قبل انضاج تلك الزيارة فيما حضر هيرتسوغ الى انقرة بعد ترتيب ملف الخلافات الامنية مع الموساد الاسرائيلي بحادثة خلية اسطنبول الشهيرة والتي اعتذر عنها الجانب الاسرائيلي بل اتفق على عدم تكرار اي محاولات لتنظيم شبكات تجسس او خلايا في الاراضي التركية.
"رأي اليوم