وصف تقرير كتيبة "نيتساح يهودا"، التي يخدم فيها يهود متعصبون دينيا ويسكن قسم منهم في البؤر الاستيطانية العشوائية في الضفة الغربية، بأنها "ميليشيا تطورت تحت أنظار الجيش الإسرائيلي" وينفذ جنودها اعتداءات ضد الفلسطينيين. وأدى اعتداء جنود هذه الكتيبة، الشهر الماضي، إلى استشهاد المسن الفلسطيني عمر أسعد (80 عاما) في قرية جلجليا قرب رام الله.
ونقل التقرير الذي نشرته صحيفة "هآرتس" اليوم، الأربعاء، عن مسؤول أمني إسرائيلي قوله إنه جاء في وثيقة قُدمت خلال مداولات جرت قبل سنتين، أن "معظم جنود هذه الكتيبة ينتمون لعائلات (مستوطنين) في المنطقة. وهذا الأمر يشكل صعوبة لديهم بالفصل بين مواقفهم الشخصية والمتطلبات العملياتية للضباط الذين يقودونهم". وتعمل هذه الكتيبة في الضفة الغربية فقط، وبشكل دائم، وليس مثل باقي الكتائب والوحدات التي يتنقل جنودها إلى المناطق الحدودية.
وأضاف المسؤول الأمني أنه في تلك المداولات جرى البحث في تفكيك كتيبة "نيتساح يهودا"، مشيرا إلى أنه "فهمنا بصورة سريعة جدا أن تفكيك نيتساح يهودا سيكون كإعلان حرب بالنسبة لقيادة المستوطنين. وبحسب مفهومهم، هذه الكتيبة تنتمي إليهم، وأن هذه قوة تعمل لصالح المستوطنات".
ولفت المسؤول نفسه إلى أنه "في الأوقات الاعتيادية، يدخل قادة المستوطنين إلى (مقر) الكتيبة بصورة حرة ويتحدثون مع الجنود. ويدخل حاخامون إلى مقر الكتيبة ويتجولون بحرية، ويلقون دروسا ويتحدثون مع الجنود حول أحداث عسكرية، وهذا نوع من ميليشيا".
وكتب عضو الكنيست بتسلئيل سموتريتش، من كتلة الصهيونية الدينية المتطرفة، في منشور الشهر الماضي، أن "المستوطنون يفرحون في كل مرة تكون نيتساح يهودا في منطقتهم. وهذه الفترات تتميز بهدوء وأمن نسبي في الشوارع، والجماعة هناك يعلمون مهمتهم تماما، من هو الأخ ومن هو العدو، ولا يرتبكون، ويسعون إلى القتال ويحدثون ردعا".
وتتمثل مهمات الجنود في هذه "الميليشيا"، بحسب إفادات جنود مسرحين منها وتحقيقات الجيش نفسه، بإيقاف سيارات فلسطينية وإنزال ركابها منها والتنكيل بهم في أحيان كثيرة، والاعتداء عليهم جسديا. وأحيانا يصادرون سيارات بادعاء أنها ليست صالحة للاستخدام، لكن بعد ذلك يستخدمها جنود وضباط في الكتيبة لاحتياجاتهم الخاصة. كذلك يقتحم جنود هذه الكتيبة منازل الفلسطينيين، من خلال تكسير أبوابها ونوافذها والاعتداء على سكانها. وأحيانا، وفقا للتقرير، يلقون قنابل باتجاه سيارات فلسطينية مارة، "فقط من أجل التسلية".
تشييع جثمان الشهيد عمر أسعد (أ.ب.)
ونقل التقرير عن مسؤولين أمنيين إسرائيليين قولهم إن للأيديولوجية السياسية لجنود "نيتساح يهودا" وزن كبير في تصرفاتهم العدوانية. وقال أحد هؤلاء المسؤولين إن "جرى نشاط عسكري في قرية قرب رام الله، وتم إبلاغ الجنود بأنهم سيمرون من أراض زراعية فلسطينية، ولذلك عليهم أن يتصرفوا بما يتلاءم مع ذلك. وعندها نهض أحد ضباط نيتساح يهودا، وقال أمام الحاضرين إن ’هذه أراضي شعب إسرائيل وستعود إلى شعب إسرائيل قريبا’". وأضاف المسؤول أنه يعقب أحد بأقوال هذا الضابط، "وكأن شيئا لم يحدث".
وكشف التقرير عن أن الجيش الإسرائيلي لم ينشر حقائق ظهرت خلال تحقيقه في واقعة استشهاد المسن أسعد في جلجليا، الشهر الماضي. فقد تبين أن قائد وحدة في "نيتساح يهودا" أفاد بأنه عندما أوشك على مغادرة المكان سوية مع جنوده، لاحظ أن أسعد لا يتحرك ويبدو أنه فاقد الوعي. ورغم أنه تمسك بروايته بأن لم يدرك أن أسعد قد توفي، وإنما اعتقد أنه نائم، لكنه قال إنه أبلغ قائد الفرقة العسكرية بأن أسعد لا يتحرك. وعقب قائد الفرقة بأنه لا يذكر إبلاغه بذلك.
ويحاول الجيش الإسرائيلي إخفاء ممارسات هذه الكتيبة، والكذب على الجمهور بخصوص هذه الممارسات وامتداح جنودها. واعتبر قائد المنطقة الوسطى للجيش الإسرائيلي، يهودا فوكس، أنه "يوجد في الكتيبة جنود رائعون ولا أرى بهذه الكتيبة أنها ميليشيا". وادعى فوكس أن هذه الكتيبة تقدم تقارير عن العمليات التي تنفذها، لكن التقرير أكد أن الواقع الميداني مختلف، إذ أن معظم الاعتداءات التي ينفذها جنودها تبلغ عنها جهات من خارج الجيش.
ولا يمتنع الجيش عن نقل هذه الكتيبة إلى مناطق أخرى بسبب الخوف من رد فعل المستوطنين فقط. ونقل التقرير عن مسؤول أمني رفيع قوله إن "الموقف في محادثات مغلقة كان دائما أن لا أحد معنيا بنقلهم إلى منطقته. وتخوفوا في قيادة المنطقة الجنوبية من جلبهم إلى هذه المنطقة تحسبا من انعدام طاعتهم العسكرية التي قد تقود إلى تصعيد مقابل حماس وحتى إلى جولة قتال لعدة أيام. واعتقدوا في قيادة المنطقة الشمالية أنه خلال أنشطة حساسة في الجبهة الشمالية، يوجد تخوف من ألا يعمل جنود هذه الكتيبة بموجب أوامر الأمن الميداني. وحتى أن ألوية في قيادة المنطقة الوسطى لم تتحمس من استيعابهم".
ووصف ضابط هذه الكتيبة، بعد أن خدم فيها في الماضي، أنها "جيش لا توجد لدى الجيش الإسرائيلي أدنى فكرة حول أدائه"، وأشار إلى أن جنودها يتصرفون تجاه الفلسطينيين خلافا للأوامر أو التعليمات العسكرية.