معاريف- بقلم د. موشيه العاد - شيء ما حصل في السلطة الفلسطينية؛ فقد قرر رئيس السلطة محمود عباس (أبو مازن) ابن الـ 86 الذي يعتزم على ما يبدو الإعلان عن اعتزاله، أن يعين اثنين يخلفانه بدلاً من واحد، وهو فعل قد يشعل النار في أرجاء “المناطق” [الضفة الغربية]. والسبب: عدم وضوح أحد الاثنين الذي سيكلف بقيادة الفلسطينيين. وبناء عليه، ينطلق نقد حاد على المستوى الشخصي والمزاج المناهض للدين لدى الرجلين. ما يحدث في قيادة السلطة الفلسطينية في الآونة الأخيرة يمكن أن نصفه كمقدمة لحرب أهلية.
قرر أبو مازن تعيين رجلي حركة فتح: حسين الشيخ وماجد فرج، كعضوين في اللجنة التنفيذية لـ م.ت.ف، وهذا عمل يضع الرجلين كرقمي واحد واثنين في “فتح”، وفي م.ت.ف، وفي السلطة الفلسطينية. في واقع الأمر، قرر أبو مازن بأن الرئيس التالي لـ م.ت.ف سيكون ولأول مرة من الجيل الذي تربى في “المناطق” [الضفة الغربية]، بخلاف أربعة رؤساء م.ت.ف السابقين ممن كانوا من “جيل النكبة” أو “جيل اللاجئين”. هذه خطوة تاريخية، ولكنها عديمة المعنى العملي، وفيها مس بـ”جيل الصحراء” الفلسطيني.
لم يقرر أبو مازن تراتبية واضحة، ولهذا فإن كل واحد من هذين الاثنين يرى نفسه الرئيس التالي للمؤسسات الفلسطينية العليا الثلاث. الشيخ وزير الشؤون المدنية، وفرج الجنرال المسؤول عن جهاز الأمن الفلسطيني، جمعا طوال سنوات قوة شخصية كبيرة إلى جانب الرئيس، وعملا بانسجام كامل. وكلاهما معروفان أيضاً كصديقي إسرائيل. غير أنه سيكفي قرار تعسفي واحد أو خطوة دراماتيكية واحدة بشأن هوية رقم واحد للتسبب بمقاومة فاعلة، من الخاسر، بمعنى التوتر، بل والعنف.
ثمة خطر آخر على استقرار السلطة سيأتي من جبال الخليل. فهناك يتموضع جبريل الرجوب هذه الأيام، الذي يرى نفسه متضرراً من قرار الرئيس. ولن يتنازل عن الصدارة بتلك السهولة. يتبع لإمرة الرجوب غير قليل من الشبان الفلسطينيين ممن كانوا مرؤوسيه في جهاز الأمن الوقائي، ومن شأنه أن يستخدمهم كمركز قوة يهدد المقاطعة. وثمة خطر لا يقل قد يظهر من جهة أخرى، من السجن الإسرائيلي، حيث يمكث مروان البرغوثي بالمؤبد، هو رئيس التنظيم. للبرغوثي آلاف “الجنود” ممن كانوا مستعدين في الماضي للخروج من أجله إلى الشوارع.
فضلاً عن الفوارق الفكرية بين م.ت.ف وحماس، فإن فرج خط أحمر لحماس لأنه يعرف كـ “المتعاون الأكبر مع إسرائيل والولايات المتحدة لتصفية الحركة”. يدعي رؤساء حماس بأن فرج اعتقل نشطاء حماس وحل مؤسساتها بقدر أكبر مما فعلت إسرائيل والولايات المتحدة معاً. أما الشيخ فيعتبر في نظر حماس وجمهور غفير شخصاً ذا أخلاق متردية ليس مناسباً لقيادة “شعب فلسطيني بطل”.
الشعب الفلسطيني بعمومه ليس راضياً عن أداء السلطة، حيث ادعاءات قاسية بالفساد، ومس بحقوق الإنسان، وتبذير وعدم نجاعة، وكلها صفات تلتصق بالسلطة منذ قيامها، ويعدّ حسين الشيخ رمز هذه الظواهر. وبالتالي، فإن تنصيب الشيخ في قمة القيادة سيثير معارضة عموم الشعب بتقاطع الأحزاب والأيديولوجيات.
امتنع الشعب الفلسطيني في السنوات الأخيرة من الخروج بجموعه إلى الشوارع. ولن يكون رهاناً خطيراً التنبؤ بأن الشوارع ستمتلئ هذه المرة فقط في رام الله وبمؤيدي “فتح” الذين يرتزقون من صندوق السلطة. ولكن إذا ما انكسرت التقاليد، وخرج المؤيدون بالفعل إلى المعركة الأخيرة، فسنشهد حمام دماء لحرب أهلية.