المأساة الكلاسيكية: بعد “جوقة التهديدات”.. ماذا ستفعل إسرائيل إذا نجحت مفاوضات فيينا؟

الجمعة 10 ديسمبر 2021 08:15 م / بتوقيت القدس +2GMT
المأساة الكلاسيكية: بعد “جوقة التهديدات”.. ماذا ستفعل إسرائيل إذا نجحت مفاوضات فيينا؟



القدس المحتلة / سما /

معاريف - بقلم: ألون بن دافيد                     "كحال التراجيديا الإغريقية، انطلقت جوقتنا هذا الأسبوع بسلسلة من التهديدات والتحذيرات لإيران: رئيس الوزراء، ورئيس الموساد، ورئيس الأركان، وقائد سلاح الجو – كلهم أعطوا صوتهم للجوقة المنسقة (باستثناء وزير الدفاع، البطل المأساوي في نظر نفسه). في المأساة الكلاسيكية، تحتفظ الجوقة بدور يتمثل بوصف ما يجري خارج المسرح، وهكذا أيضاً عندنا: المسرح هو فيينا، أما الجوقة فتصدح على ما سيجري إذا ما فشلت المحادثات.

هذا كفيل بأن يبدو كثرثرة زائدة أو تهديدات فارغة، ولكنه الدور الذي يتعين على إسرائيل أن تؤديه هذه اللحظة: أن تهز الذيل غير المفتخر لخيارها العسكري. المسرحية الوحيدة في المدينة هي محادثات فيينا، وعلى إسرائيل أن تواصل عرض البديل في حالة ألا يكون هناك اتفاق.

هذا البديل ليس تصريحات فارغة، بل أفعال أيضاً: ينكب سلاح الجو هذه الأيام بجدية على تحسين القدرات حيال إيران. قول رئيس الأركان إنه أمر “بالبدء بالاستعدادات لعملية في إيران” ترجمه سلاح الجو إلى خطة عمل. وعليه، سيترافق ضجيج التصريحات أيضاً مع ضجيج كثير للطائرات في السماء، التي ستتدرب بجدية على سيناريوهات هجوم في إسرائيل.

من مكوث ليومين في قواعد سلاح الجو أخذت الانطباع بأنهم يستعدون لهذه الإمكانية بجدية وبتواضع أيضاً – فسلاح الجو على وعي بقيوده. يمكن الافتراض بأنه سيعرف كيف يدمر عموم المنشآت التي فوق الأرض وتلك القريبة من سطح الأرض. وسيكون صعباً أكثر عليه أن يضرب المنشآت المنحوتة عميقاً في الصخر.

هجوم كهذا لن يوقف البرنامج النووي الإيراني ولن يقتلع تطلعات النظام الإيراني النووية، ولكنه سيصدمها. تصوروا ما كان سيجري في إسرائيل لو أن سلاح جو أجنبياً شطب مفاعل ديمونا ودارة البحوث النووية في شورك. ما كان لهذا أن يأخذ من إسرائيل العلم النووي الذي جمعته، ولكنه سيهز مشروعنا النووي وسيفرض علينا فترة إعمار طويلة.

إن المس بالمشروع النووي الإيراني، سيعتمد في معظمه على قدرات سلاح الجو، ولكن ليس عليها فحسب. فعلى إسرائيل أن تعد ضربة ليست جوية فقط بل يجب أن تتضمن عناصر برية وسرية وأكثر من ضربة واحدة. هذا لا يشبه الهجوم على المفاعل الذي بناه الفرنسيون في العراق عام 1981 ولا حتى المفاعل الذي بناه الكوريون الشماليون في سوريا عام 2007. في الحالتين، ضرب سلاح الجو منشأة واحدة، كانت لباب البرنامج النووي. فقد دمر تدمير المنشأة البرنامج النووي كله.

يدور الحديث في إيران عن برنامج نووي متناثر، في كثير من المنشآت، والأهم: المسنود إلى علم محلي وليس علم مستورد من دولة أخرى. أي مس بمنشآت النووي الإيرانية قد يأخذ منهم ذخائر مادية ولكنه لن يسلب العلم الذي جمعوه. سيعيقه – ولن يحبطه.

في العالم السري يخيل، حسب المنشورات، أن إسرائيل استنفدت الكثير من القدرات التي جمعتها، وأن الموساد أفرغ كل خزانه العملياتي تقريباً. هناك يتعين عليهم أن يقيموا قدرات المس والإحباط السري من جديد.

مشكوك أن يكون رئيس الموساد الجديد، دادي برنياع، قد فهم معنى الأقوال التي أطلقها في احتفال الجهاز. فقوله إن “لن يكون لإيران سلاح نووي يوماً ما” سيرافقه منذ اللحظة، ونأمل بألا يتبدد.

تواتر الزيارات

في هذه الأثناء، تواصل إسرائيل ضرب الإيرانيين -حسب منشورات أجنبية- في سوريا وكذا في السايبر. فالهجوم على حاويات بميناء اللاذقية هذا الأسبوع، لما وصف في المنشورات إرسالية صواريخ جوالة، يدل على أن إيران أعادت خطوط التوريد البحرية لـ”حزب الله” إلى الحياة بعد سنتين من الاحتكاك المتزايد بين إسرائيل وإيران في الساحة البحرية. وحسب منشورات أجنبية، يخيل أن إسرائيل قلصت النشاط في هذه الساحة، واستغل الإيرانيون هذا.

يدرك الأمريكيون تكتيك التأخير الإيراني في محادثات النووي، ولكنهم ليسوا مستعدين بعد لترجمة هذا الفهم لخطوات قوة. تواتر زيارات رئيس الموساد برنياع ووزير الدفاع غانتس إلى واشنطن أنتج حتى الآن الكثير من هز الرأس بالموافقة، ولكن ليس استعداداً لتشديد العقوبات على إيران. إدارة بايدن تواقة للاتفاق.

بينما تستقبل الزيارات في واشنطن بإنصات أديب –الجيش الإسرائيلي يستقبل الزيارات المغطاة إعلامياً للضباط الإسرائيليين بسرور، كان رئيس شعبة العمليات ورئيس الشعبة الاستراتيجية هما اللذان استُقبلا بحفاوة في هيئة أركان القيادة الوسطى الأمريكية في تمبا فلوريدا. وثمة دليل آخر على ثبات الكليشيه ذاته، إذ كلما بردت العلاقات في القنوات السياسية، تسخن في القنوات الأمنية. فقرار نقل إسرائيل من مسؤولية قيادة أوروبا في الجيش الأمريكي إلى مسؤولية القيادة الوسطى يلوح كهدية باهظة القيمة، التي أغدقتها علينا إدارة ترامب.

بعد المفاوضات التي أجرتها إدارة أوباما مع إيران والتي أدت إلى الاتفاق النووي، رغم وجود أجهزة تنصت في غرف المحادثات في فيينا وجنيف، فقد أتاحت لإسرائيل أن تسمع كل كلمة قيلت هناك. وعلى فرض أن إسرائيل تواصل استماعها للمفاوضات الحالية، فيفترض بها أن تدرك بأن المفاوضات ستطول، وستتأجل، وستجتاز أزمات، ولكنها ستنتهي بالاتفاق. ببساطة لأنه ليس لإيران بديل أفضل.

وعليه، فإلى جانب إعداد مهم لبديل فشل المحادثات، على إسرائيل أن تسأل نفسها ماذا ستفعل حين تنجح المحادثات. ماذا ستفعل حين سيوقع اتفاق نووي آخر سيئ مع إيران؟ هل ستكف عن الأعمال السرية ضد البرنامج النووي؟ يجب أن يكون الجواب لا وكلا، ولكن النقاش يجب أن يجرى منذ الآن، لأننا سنقف بعد بضعة أشهر أمام إيران التي حصلت على اتفاق نووي أكثر راحة.