قال أستاذ الفلسفة الشهير د.مراد وهبة إنه فى شأن القضية الفلسطينية كان انطباع وايزمان أن السادات يتحاشى ذكر الدولة الفلسطينية، مشيرا إلى أن وايزمان وجه سؤالا للسادات:
ما الحل إذن؟
وأضاف في مقاله الثلاثاء بصحيفة الأهرام( أمريكا على الخط) أن السادات نوه بدوره بخيبة أمله فى بيجن، إذ ما من مرة يقول له فكرة إلا ويذهب بعدها إلى الصحف ويقول لهم ما حدث من مناقشات.
وتابع وهبة: “ثم استطرد قائلا: أمامنا طريق طويل لكى نقنع العالم العربى وكذلك الشعب اليهودى، حاول أن تكسب قلب الشعب العربى لأنك لن تجد عربيا واحدا يصادقك كما هو الحال فى مصر. والمشكلة الفلسطينية هى المحك. ويلزم أن أخبر شعبى أننى طلبت من الاسرائيليين الانسحاب من الضفة الغربية، وأننى قد استبعدت منظمة التحرير الفلسطينية من قاموسي. وأننى مسئول عن إخبار العرب بذلك. وعلى العرب فى الضفة الغربية وغزة صياغة مستقبلهم وعلى الاسرائيليين أن يرحلوا. وأنا لا أبالى إذا كان الملك حسين يشارك فى المفاوضات أم لا. ولكن يلزم أن تكون كل من الضفة الغربية وغزة خالية من الأسلحة. وأى حل يلزم أن يضمن لكم الأمن. سنجتهد فى إيجاد صياغة ملائمة.”.
وتابع وهبة: “وهنا تساءل وايزمان: مَنْ الذى سيحكم يهودا والسامرا (الضفة الغربية) وغزة؟ أجاب السادات: إذا دخلت الأردن فى المفاوضات سيكون الأردنيون والاسرائيليون هم الممثلين للسكان المقيمين. وبناء عليه قال وايزمان: أفهم من ذلك عدم وجود دولة فلسطينية. نعم، هذا صحيح.. هكذا قال السادات ولكنه استطرد قائلا: إذا قلت ذلك لبيجن فإنه سيعلن ذلك فى اليوم التالى من أعلى العمارات. لكنى أستطيع أن أقول ذلك لك وليس لغيرك. دار هذا الحوار وهما جالسين فى منزل الرئيس بالقناطر الخيرية تحت شجرة يقال عنها إنها شجرة القرارات.. لأن السادات تحتها كان يتخذ القرارات الحاسمة. وكان معهما فى هذه الجلسة نائب الرئيس حسنى مبارك ووزير الحربية عبد الغنى الجمسى ولم يكونا يتحدثان إلا بإذن من الرئيس، وهذا الإذن لم يكن إلا نادرا. وفى نهاية الجلسة قال وايزمان للسادات: يلزم أن تشرح أفكارك لبيجن، ويلزم أن يكون ثمة تفاهم بينكما.”.
وأضاف وهبة: “لم يقتنع السادات وقال: مشكلتنا ليست عادية. وحلها يستلزم انساناًعظيما كما يستلزم ثقة متبادلة. وهنا قال وايزمان: فليكن لقاؤك مع ديان. وقال السادات: ليس الآن. إنه لا يكتم سرا.
وعندما عاد وايزمان إلى تل أبيب دارت فى ذهنه هذه العبارة: إذا كان الطريق إلى جهنم ممهدا بالنيات الطيبة فكذلك الطريق إلى السلام. وفى صيف عام 1978 لم تكن النيات الطيبة ملائمة لعملية السلام فقد اخترقت عندما تصاعدت موجة التعصب الإسلامى فى أجزاء من العالم العربى، وكانت قمتها فى ايران التى هددت بغسل جميع أسس عملية السلام. وعلامات هذا الغسل كانت كامنة فى عام 1977 حيث كانت الشابات المصريات يلبسن الجينز وفى عام 1979 ارتدين الحجاب. وهنا تدخلت أمريكا.”.
وتابع وهبة: “فى سياق مأزق السلام قال وزير خارجية أمريكا سيروس فانس إن بيجن والسادات لم يكن فى إمكانهما الاتفاق على مصير الفلسطينيين. أما مبادرته بالاتفاق مع كارتر فكانت تستند إلى توجيه سؤالين إلى الحكومة الإسرائيلية. السؤال الأول: هل هى راغبة فى تحديد الوضع النهائى للضفة الغربية وقطاع غزة فى حدود خمس سنوات؟ وإذا كان الجواب بالإيجاب فما هى الآليات التى تقترحها إسرائيل لتحقيق هذه الغاية؟ وتطوع الأمريكان بالإجابة عن هذين السؤالين، وهى أن الاسرائيليين على استعداد لإصدار القرار النهائى عن طريق مفاوضات تتم بين ممثلين من اسرائيل ومصر والأردن ومن الفلسطينيين المقيمين فى المنطقة، وأن يوافق عليها الشعب المقيم فيها. وكان فى نية أمريكا أن يكون الحل الذى تلتزم به اسرائيل هو الذى يوافق عليه الشعب الفلسطينى المقيم فى تلك المنطقة. وسبب ذلك مردود إلى أنه سبق أن قال لكارتر إن اقتراحه من شأنه أن يؤدى إلى تأسيس دولة فلسطينية.,أما وايزمان فلم يكن مرحبا بالتدخل الأمريكى فى عملية السلام لأن كارتر يتحدث بالنيابة عن السادات. والأفضل من ذلك أن نتجه إلى وزير الحربية المصرى ونحدثه عن رؤيتنا. إن المصريين هم شركاؤنا وليس لنا من شركاء سواهم. إلا أن مجلس الوزراء الاسرائيلى قد رفض ما تقدم به وايزمان من اقتراحات. ومع ذلك فقد نوه وايزمان بأنه منذ اللحظة التى وافقت فيها اسرائيل على الاستقلال الادارى للشعب الفلسطينى لم يعد ممكنا للسلطة الفلسطينية الموافقة على أن تكون محكومة بالسلطة الاسرائيلية. ومع ذلك أيضا رفض مجلس الوزراء هذه النتيجة وآثر أن يترك الأمر لأحلام بيجن.”.
وتابع وهبة قائلا: “كل ذلك حدث وكل من بيجن وديان فى حالة صمت. أما وايزمان فكان من رأيه أن يستثمر أى فرصة لمنع غلق الطريق أمام المفاوضات مع مصر، أما بيجن فقد كان بائسا ومتشائما وعلى وشك الانهيار ومن ثم ألمح إلى إمكانية الاستقالة. وفى خضم كل هذا التوتر قرر وايزمان إعادة الاتصال مع الجمسى والسادات لأن باب السلام مغلق ولكن مفتاحه فى القاهرة. وفجأة تسلم رسالة تفيد بأن الجمسى مهيأ لمقابلة وايزمان غدا فى سالزبورج بالنمسا وبعدها يلتقى السادات. وسالزبورج مدينة نائمة وهادئة ولا تبالى بالعواصف التى تهب خارجها، كما أن حركتها بطيئة ومن ثم فإن شعورها بالتغير ضعيف للغاية وذلك على الضد من مدن الشرق الأوسط. “.
واختتم قائلا: “فى هذا المناخ كان ترحيب السادات بوايزمان حارا وتركهما الجمسى بعد أن أغلق باب الغرفة وقال السادات: عزرا.. أهلا بك. نلتقى مرة أخري. وبعد أن ينتهى لقاؤنا سأعرفك بزوجتي. وكان فخورا وهو يقول له: جيهان أتمت السنة التمهيدية لنيل درجة الماجستير فى الشعر العربى بجامعة القاهرة. ثم استطرد قائلا: أريدك أنت بالذات أن تسمع ما يلزم أن أقوله لحكومتك وبذلك أريح ضميرى”.
عن راي اليوم