قال جون نوتون، أستاذ فهم الرأي العام للتكنولوجيا في الجامعة المفتوحة في لندن، ومؤلف كتاب “من غوتنبرغ إلى زكربيرغ: هذا ما يجب عليك معرفته عن الإنترنت” إن برنامج التجسس بيغاسوس الذي تنتجه الشركة الإسرائيلية “أن أس أو غروب” يواجه يوم الحساب ودعاوى قضائية دولية، والفضل يعود إلى مخبر بحث.
وفي مقال نشرته صحيفة “الغارديان” جاء فيه: “لو كنت تعد قائمة عن الشركات التكنولوجية ذات الأثر السام، فلن تكون شركة فيسبوك، وللغرابة، على رأسها، فالمرتبة الأولى هي لشركة أن أس أو، وهي شركة من المحتمل أن كثيرا من الناس لم يسمعوا بها”. وتخبرنا موسوعة “ويكيبيديا” على الإنترنت بأن “أن أس أو غروب هي شركة تكنولوجيا إسرائيلية معروفة بشكل رئيسي بملكيتها لبرنامج التجسس بيغاسوس الذي يستطيع التجسس عن بعد على الهواتف الذكية وبدون نقر عليها”.
ويلفت الأستاذ نظر القارئ إلى العبارة الأخيرة “تجسس عن بعد على الهواتف الذكية بدون نقر”. فمعظم مستخدمي الهواتف الذكية يفترضون أن قراصنة الهواتف والإنترنت لا يستطيعون اختراق أجهزتهم إلا من خلال حركة إهمال ساذجة قام بها المستخدم، مثل النقر على رابط إنترنت أو فتح رسالة مرفقة. وهم محقون في معظم افتراضاتهم. لكن بيغاسوس يستطيع اختراق الهواتف بدون أن يقوم المستخدم بأي من هذه الأمور، وعندما يدخل البرنامج الجهاز فهو يحوّل كل شيء فيه لكتاب مفتوح لمن يريد إدخال برمجية خبيثة. وهو أمر مثير للإعجاب، لكن الأكثر إثارة، هي قدرته على اختراق هواتف أبل “آيفون”، وهذا مهم لأن هواتف أبل معروفة تقليديا بسلامتها وأمانها من الاختراقات، ولهذا فهي الأجهزة الآمنة المفضلة لدى السياسيين والصحافيين الاستقصائيين والناشطين في حقوق الإنسان والمعارضين في الدول الديكتاتورية.
ولأن بيغاسوس برنامج قوي جدا، فقد تم تصنيفه كذخيرة/ سلاح، وبحاجة لموافقة الحكومة الإسرائيلية قبل بيعه لزبائن أجانب، ويجب أن يكون هؤلاء حكومات. فهو ليس متوفرا كمنتج يشتريه المستهلك. وتؤكد الشركة أن منتجها هو من أجل مواجهة الجريمة المنظمة والإرهاب. وهو ليس رخيصا، ولا نعرف سعره الحالي، ولكن الشركة كانت تبيعه لوكالات الحكومة في عام 2016، بـ650.000 دولار من أجل التجسس على 10 مستخدمين لهواتف آيفون. هذا إلى جانب 500.000 دولار لتركيبه.
ويُعتقد أن الحكومات في الإمارات والمكسيك كانتا من أوائل الزبائن. ويقول الكاتب: “لكنني أحس اليوم أنه لا توجد دولة ديكتاتورية أو مستبدة في العالم ليست من زبائن الشركة، رغم زعم الشركة أنها تقوم بتمحيص سجل زبائنها في حقوق الإنسان قبل بيعه لهم. وتقوم هذه الحكومات باستخدامات بشعة يمكن التكهن بها. وتقترح الأدلة أنه تم استخدام بيغاسوس في هجمات استهدفت ناشطين في مجال حقوق الإنسان وصحافيين في عدة دول. وتم استخدامه للتجسس على باكستان، وربما استخدم بطريقة بشعة من السعودية للتجسس على اتصالات الصحافي جمال خاشقجي”.
وفي تطور هزلي، وفي نفس الوقت الذي كان فيه هاتف الرئيس إيمانويل ماكرون على قائمة مسربة لهواتف آيفون استهدفت من بيغاسوس، فقد كُشف أن حكومته، حسبما زعم، كانوا في المراحل الأخيرة في التفاوض على عقد لشراء بيغاسوس. وغني عن القول، فقد نفى الفرنسيون هذا، وهو ما يؤكد القول الصحافي المأثور: “لا يمكنك تصديق أي شيء حتى ينكره قصر الإليزيه ثلاث مرات”.
وكان كل شيء يبدو جميلا لبيغاسوس والنجاح في جانبها، لكن كل شيء تغير بداية الشهر الحالي عندما قررت إدارة جو بايدن وضع الشركة على “قائمة الكيانات” التي تعمل “ضد الأمن القومي أو مصالح السياسة الخارجية للولايات المتحدة الأمريكية” ومنعت بيع الأجهزة والبرامج للشركة.
وفي الأسبوع الماضي رفعت شركة أبل دعوى قضائية ضد “أن أس أو” لمحاسبتها على اختراقها ومراقبتها مستخدمي هواتف الشركة. وتريد أبل الحصول على أمر قضائي دائم يحظر الشركة الإسرائيلية من استخدام برامج أبل وخدماتها وأجهزتها.
وغني عن القول فقد عبأت الحكومة الإسرائيلية جهودها، وربما بعد الكشف عن اختراق هواتف المدافعين عن حقوق الإنسان الفلسطينيين ببيغاسوس. وما كان غائبا عن التغطية لهذه التطورات، أنها لم تكن لتحدث لولا تكريس مهارات وتصميم جماعة خارقة من الباحثين الأكاديميين في مدرسة مانك للشؤون الدولية والسياسة العامة في جامعة تورنتو، ومخبرها “سيتزن لاب” الذي أنشأه في عام 2001، رونالد ديبريت، العالم السياسي الذي اكتشف أن العالم بحاجة إلى طريقة للحفر تحت سطح شبكة الاتصالات العالمية من أجل الكشف عن الطرق التي تمارس فيها القوة داخل جوفها العميق.
وبنى ديبريت على مدى 20 عاما فريقا قويا يعمل كوكالة أمن قومي للمجتمع المدني. وظل “سيتزن لاب” المكان الوحيد الذي يمكن للواحد الحصول منه على صورة واضحة حول ما تقوم به “أن أس أو”، وبدون عمل المخبر وشجاعة العاملين والباحثين فيه “فإنني أشك في تحرك الولايات المتحدة. وحتى في الوضع الذي باتت فيه أن أس أو غروب تتحرك نحو الإفلاس، فإن بيغاسوس لن يختفي، لأن هناك الكثير من العملاء غير الديمقراطيين لقدراته. لكن ما كشف عنه سيتزن لاب هو ثمن الحرية هي اليقظة التكنولوجية”.