قالت صحيفة “واشنطن بوست” إن دور إيران في الهجوم على القوات الأمريكية في سوريا يشير إلى درجة من التصعيد.
وجاء في التقرير الذي أعدته ليز سلاي، إن طهران مسؤولة على ما يبدو عن الهجوم بمسيرات ومقذوفات صاروخية على نقطة عسكرية أمريكية في سوريا، مما يقترح فتح جبهة جديدة لنزاع على وتيرة منخفضة، وهي الأولى منذ خروج الولايات المتحدة من الاتفاقية النووية في عام 2018.
وفي الوقت لم تسجل فيه ضحايا في الهجوم على النقطة العسكرية المعزولة في التنف قرب الحدود الأردنية والعراقية مع سوريا حسب مسؤولين أمريكيين، إلا أن الإعلام الإيراني تعامل مع الهجوم على أنه “انتصار”.
وهو أول هجوم إيراني على القوات الأمريكية في سوريا وأول عملية كبيرة متقدمة بطائرة مسيرة ضد قوة عسكرية صغيرة في سوريا والتي نشرت في المنطقة منذ عام 2015، لدعم المقاتلين الأكراد في الحرب ضد تنظيم الدولة الإسلامية.
ورفض جون كيربي، المتحدث باسم البنتاغون في لقاء مع الصحافيين يوم الإثنين تحميل إيران المسؤولية المباشرة عن الهجوم الذي تم بمقذوفات صاروخية ومسيرات انفجرت، والتي أحدثت ضررا كبيرا في القاعدة، بحسب الصور التي انتشرت على منصات التواصل الاجتماعي. ووصف كيربي الهجوم بأنه “معقد ومنسق ومقصود” مشيرا إلى أن هجمات مماثلة قامت بها جماعات شيعية موالية لإيران في أماكن أخرى. ولكن وسائل الإعلام المرتبطة بإيران لم تحاول التقليل من دور طهران وحلفائها الشيعة، متحدثة عن الهجوم في تعليقات نشرت خلال الأيام الماضية بأنه نجاح عظيم ولمحت إلى هجمات مماثلة ضد القوات الأمريكية في سوريا قد تتبع. ونسبت هذه المنصات الإعلامية إلى تحالف صغير غير معروف اسمه “حلفاء سوريا” والذي أصدر في بداية الشهر الحالي بيانا هدد فيه بانتقام “قاس” من الغارات الإسرائيلية ضد قاعدة إيرانية خارج مدينة تدمر السورية في 14 تشرين الأول/أكتوبر. وأشار البيان أن الغارة الإسرائيلية ضد القاعدة جاءت من جهة التنف.
ووصفت وكالة أنباء “فارس” المرتبطة بالحرس الثوري الإيراني أن الهجوم كشف عن “جرأة وقوة عظيمة” من جانب “حلفاء سوريا” وهو ما سيغير ميزان القوة في سوريا. وعلق موقع “العهد” المرتبط بحزب الله اللبناني على الهجوم بأنه بداية “مرحلة جديدة من المواجهة” ستحاول من خلالها إيران وحلفائها تحرير سوريا من القوات الأمريكية. ولاحظ الموقع أن الانسحاب الأمريكي من أفغانستان “حدث فقط بسبب ضغط العمليات العسكرية وليس الضغوط السياسية والدبلوماسية”.
وأصبحت القوات الأمريكية في العراق هدفا للهجمات الصاروخية خلال السنوات الأربع الماضية. وسجل في العام الماضي ثلاث هجمات بالمسيرات.
وردت الولايات المتحدة بهجمات انتقامية ضد الميليشيات الموالية لإيران في كل من العراق وسوريا، وكان آخرها هجوم في شباط/فبراير وربما قررت الولايات المتحدة شن هجوم آخر حسب كيربي. وظلت القوات الأمريكية البالغ عددها 900 جنديا الموزعين على مساحة واسعة في شمال- شرق سوريا ونقطتهم العسكرية الوحيدة في التنف خارج اهتمام القوات الإيرانية والجماعات المسلحة الموالية لها والتي توفر الدعم للرئيس بشار الأسد. ولكن هذا بدأ بالتغير في الصيف بعد سلسلة من الهجمات الصاروخية التي لم يتم الحديث عنها في الإعلام على القواعد الأمريكية في المناطق التي تسيطر عليها الجماعات الكردية، حسب مايكل نايتس، الباحث في معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى. ونسب التحول في القرار الإيراني الطلب من حلفائها في العراق عدم استهداف القوات الأمريكية هناك بأنه محاولة للتأكد من تحقيق الاستقرار قبل الانتخابات البرلمانية التي نظمت بداية هذا الشهر. لكن العودة إلى التصعيد كما بدا في التنف مرتبط كما يقول علي الفونة، من معهد دول الخليج العربي في واشنطن بتراجع منظور العودة إلى الاتفاقية النووية. ولم تظهر الحكومة الإيرانية الجديدة أي توجه للعودة إلى المحادثات النووية، فيما حذر المبعوث الأمريكي الخاص لإيران روبرت مالي يوم الإثنين من أن الجهود لإقناعها بالعودة دخلت “مرحلة جديدة”.
وفي مؤتمر عبر الهاتف قال مالي بعد مشاورات مع الحلفاء في أوروبا ودول الخليج إن هناك حالة “نفاذ صبر مشتركة” مع إيران. وأضاف أنه ناقش مع الحلفاء “وسائل أخرى” يمكن استخدامها ضد إيران حالة رفضت استئناف المحادثات ولمنعها من الحصول على السلاح النووي. وقال الفونة إن إيران تحاول الحصول على ورقة نفوذ بشأن الشروط التي تسمح لها بالعودة للمحادثات النووية مع إظهار قدراتها التدميرية ضد الولايات المتحدة. وحذر من إمكانية هجمات أخرى “لكن لن تكون كبيرة لأن إيران ليست راغبة بالتصعيد حتى الآن” و “هذا جزء من المفاوضات، فإيران لا تستطيع التفاوض بدون ضغوط عسكرية لأن أمريكا تملك كل الأوراق”. لكن النقطة العسكرية الأمريكية في التنف التي يرابط فيها عدد من الجنود الأمريكيين المعزولين عن القوات الأمريكية الأخرى بعيدا في شمال شرق سوريا، ظلت مصدر إحباط للإيرانيين ولحكومة دمشق، فهي قريبة من معبر حدودي مهم بين سوريا والعراق وتقطع خطا تجاريا بين إيران والعراق وسوريا، كما ورد في تقارير المواقع المرتبطة بإيران. وربما كانت هذه تنتظر موعد انسحاب القوات الأمريكية من العراق وزيادة الضغط على الولايات المتحدة كما يقول نايتس “سنرى زيادة في الحرارة مع اقتراب خروج القوات الأمريكية من العراق نهاية هذا العام ولعدم التقدم في المحادثات النووية”.