معاريف - بقلم: أوريت لفي نسيئيل "الفيلم الذي انتشر كالفيروس في المواجهة الجسدية بين النائب أيمن عودة رئيس القائمة المشتركة، والنائب إيتمار بن غبير، رجل “قوة يهودية” وعضو كتلة “الصهيونية الدينية” هو فيلم يعدّ مرحلة أخرى في تدهور الكنيست والمجتمع الإسرائيلي. وصل عودة هذا الأسبوع إلى مستشفى كابلان لزيارة سجين حماس مقداد القواسمي، المضرب عن الطعام احتجاجاً على اعتقاله بلا محاكمة. وجاء بن غبير ينتقد زيارات النواب العرب في غرفته وشروط إقامته في المستشفى. ظاهراً، كل شيء في إطار وظيفتهما.
غير أن اللقاء بين عودة وبن غبير تفجر في غضون ثوان. بن غبير اتهم عودة بـ”مخرب” و”داعم للإرهاب”. فرد عليه عودة “انصرف من هنا”. صرخ بن غبير: “هذا بيتنا”، “أنت لست رب البيت”، “لماذا؟ من أنت لتأمرني بألا أدخل غرفة القواسمي”. رفع عودة النبرة، وصف بن غبير “مخرب صغير” وفقد تمالكه. من هنا بدأت الأيدي تتحدث. عودة دفع، بن غبير صد. الحراس والزوار سارعوا إلى التفريق بينهما. باللغة الشعبية – هذان النائبان ببساطة “تعاركا”.
هذه المشادة العنيفة البشعة تواصلت أيضاً عبر “تويتر”. غرد عودة: “الإرهابي المدان بن غبير حاول المس بالمريض. منعتُه. الكهانية لن تمر”. أما بن غبير فصب زيتاً إلى الشعلة، وكتب: “وصلت إلى مستشفى كابلان كي أفهم كيف ينال المخرب القواسمي شروط الملوك وشرفهم، وكيف بقي على قيد الحياة بعد 90 يوماً من إضرابه عن الطعام. ومن جاء ليدافع عنه ويهاجمه؟ بالطبع أيمن عودة. لا تقلقوا، لم أسكت. مخربان بضربة واحدة”.
ينبغي شجب هذه المسرحية المعيبة التي انزلقت إلى مشادة حقيقية، ولكن الجدير أن نعلم بأن هذا الحدث لم يقع في فراغ. المناخ الجماهيري مفعم بأبخرة وقود الكراهية والنوازع العاطفية.
المجتمع الإسرائيلي مريض، والكنيست ليست سوى المقدمة. من حق عودة أن يفحص شروط الحبس والإقامة في المستشفى للسجناء، بما في ذلك المخربون الذين يمكثون في السجن الإسرائيلي. فما بالك عندما يدور الحديث عن شخص لم يقدم إلى المحاكمة ومضرب عن الطعام! هذا لا يجعله مؤيداً للارهاب أو مخرباً. ولكن خسارة، لم يحافظ على ضبط النفس. أما بن غبير، بالمقابل، فقد فعل ما يجيد فعله منذ ثلاثة عقود: خلق استفزازات، والتحريض والنشر للمذهب العنصري لمعلمه وسيده مئير كهانا. منذ سنين وهو يتحدى الديمقراطية الإسرائيلية. هو الرجل الذي مزق الرمز في سيارة رئيس الوزراء إسحق رابين في ذروة المظاهرات ضد اتفاقات أوسلو. عندما سأله صحافي: كيف تهاجم سيارة رئيس الوزراء وتتجول حراً، فأجاب بينما كان يمسك بالرمز: “مثلما وصلنا إلى هذا الرمز، سنصل إلى رابين أيضاً… عندما يقوم رئيس الوزراء بأفعال خطيرة أعتقد أنه يمكن القيام بأفعال خطيرة ضده”. هذه أقوال محظور نسيانها.
في الوقت الذي انقضى منذئذ، استكمل بن غبير رحلته من الهوامش المتطرفة إلى قلب المؤسسة الإسرائيلية. أجزاء واسعة في اليمين الإسرائيلي تعانقه. كان يكفي أن نستمع قبل بضعة أيام لخطاب رئيس قائمته بتسليئيل سموتريتش، كي نفهم ونأسف لما حصل لـ”الصهيونية الدينية”. فمن على منبر الكنيست، حرض سموتريتش ضد النواب من القائمة المشتركة، ممثلي المجتمع العربي في إسرائيل، وقال لهم: “أنتم هنا بالخطأ، خسارة أن بن غوريون لم ينهِ العمل ولم يلقِ بكم عام 1948”. هذا قول عنيف وعنصري يقوض وثيقة الاستقلال والفكرة الصهيونية من هرتسل وحتى الحاخام تسفي هيرش كليشر من بن غوريون وحتى جابوتنسكي.
الوزيرة آييلت شكيد بحاجة لتغمض عينيها وتصم أذنيها بقوة كي تقول إن بطنها انكمش لسماع أقوال الوزيرين لبيد وهوروفيتس بشجبهما زعماء جمهور أشعلوا الأجواء التي أدت إلى اغتيال رابين. إن محاولة تشويش الذاكرة، ونزع الشرعية عن اليسار وممثلي المجتمع العربي هي التي كان ينبغي لها أن تثير حفيظتها أكثر بكثير. لم يفت الأوان بعد لحساب النفس.