نشرت صحيفة تايمز مقالا للصحفية مادلين سبنس، تحدثت فيه عن موقف الصحفية سالي روني الرافض لترجمة إحدى رواياتها للغة العبرية.
وقالت سبنس إن السلطة الفلسطينية رفعت، في أيار/ مايو، علما خارج مبنى بلدية رام الله؛ تكريما لأحد أقدم حلفائها، وهي جمهورية أيرلندا.
وتاليا ترجمة المقال:
لم يكن التكريم لدولة عربية صحراوية أخرى أو دولة صديقة قريبة، بل رفعت علما ثلاثي الألوان لدولة رطبة وباردة على أطراف أوروبا، على بعد 2600 ميل، رفعت علم جمهورية أيرلندا.
وأعلنت الروائية سالي روني، البالغة من العمر 30 عاما، من مقاطعة ميو، الأسبوع الماضي، أنها لن تسمح لناشر إسرائيلي بترجمة أحدث رواياتها إلى العبرية؛ بسبب دعمها لمقاطعة الشركات الإسرائيلية.
فوجئ الكثيرون، لكن ما كان ينبغي لهم أن يفعلوا، فقد كانت أيرلندا، لعقود طويلة، حليفا للفلسطينيين، ويشكل التعاطف مع محنتهم جزءا من الثقافة الأيرلندية.
يقول فنسنت دوراك، الأستاذ المشارك في السياسة والعلاقات الدولية في جامعة يونيفرسيتي كوليدج دبلن: "هذه ليست حالة فنان واحد يتخذ موقفا، بل إنه يتماشى بشكل مباشر للغاية مع موقف شائع على مستوى واسع في أيرلندا".
انضم أكثر من 1300 فنان وكاتب مسرحي وممثل وروائي أيرلندي إلى حركة المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات (BDS) التي يقودها الفلسطينيون، والتي ذكرتها روني في بيانها. على غرار حركة مناهضة الفصل العنصري في جنوب أفريقيا، تريد BDS من الحكومات والصناعة سحب دعمها لإسرائيل، التي تتهمها بـ "الاستعمار الاستيطاني". قالت روني: "أفهم أن الجميع لن يوافقوا على قراري، لكنني ببساطة لا أشعر أنه سيكون مناسبا لي". ووقع 400 أكاديمي إيرلندي على تعهد بدعم مقاطعة المؤسسات الإسرائيلية.
يرى العديد من الأيرلنديين أوجه تشابه بين كفاحهم للتخلص من نير الاستعمار البريطاني الجائر، ونضال الفلسطينيين ضد دولة إسرائيل، كما يقول دوراك. على الرغم من كونهما عالمين منفصلين جغرافيا وثقافيا، فإن الاثنين مرتبطان بالعالم العاطفي والأيديولوجي.
في أيرلندا الشمالية، أصبحت قضية إسرائيل وفلسطين معركة بالوكالة بين الاتحاديين [الذين يؤيدون البقاء في المملكة المتحدة] والجمهوريين [الذين يريدون الاستقلال عن بريطانيا والاتحاد مع جمهورية ايرلندا]. وكان الجيش الجمهوري الإيرلندي يرى شبها له في منظمة التحرير الفلسطينية، التي اعتبرها رفيق نضال لأجل الحرية، بينما بدأ بعض الاتحاديين في دعم إسرائيل. واليوم، تستخدم الجداريات الضخمة في ديري خلفية العلم الفلسطيني، بينما تصاحب الرسائل الجمهورية شعارات مثل "أوقفوا الإبادة الجماعية في غزة". في أجزاء من بلفاست، يعلق علم نجمة داود بجانب رايات الاتحاديين.
وقال دوراك إنه عندما درّس في بلفاست "لن يكون لدى طلابه ما يقولونه عن استقلال الجزائر أو التطور السياسي المصري في مرحلة ما بعد الاستعمار، لكن عندما تتحدث عن إسرائيل وفلسطين ترى الطلاب قد تخندقوا". أقام طلاب الجامعة التي تخرجت منها روني، جامعة ترينيتي كولدج في دبلن، أسبوعا مناهضا للفصل العنصري هذا الشهر؛ احتجاجا على علاقات الجامعة بإسرائيل.
في النصف الأول من القرن العشرين، كانت القضية الصهيونية هي التي جذبت تعاطف الأيرلنديين، فهنا كانت مجموعة عرفت أيضا معاناة كبيرة وآلام الاضطهاد الاستعماري. ولكن بعد إنشاء دولة إسرائيل في عام 1948، بدأ الأيرلنديون في رؤية مقارنات مختلفة؛ فقد قرر البعض أن دولة إسرائيل تبدو الآن هي القوة القمعية التي تفرض نفسها على السكان الأصليين.
أشاد أول حاكم بريطاني للقدس، السير رونالد ستورز، بفكرة الدولة الصهيونية، باعتبارها تشكل "أولستر [مقاطعة في أيرلندا الشمالية] يهودية صغيرة مخلصة [لبريطانيا] في بحر من القومية العربية المعادية المحتملة": موقع متقدم يدعمه البريطانيون لدرء القومية. كان هناك شعور متزايد بأنه إذا كان اليهود مثل بروتستانت أولستر، فإن الكاثوليك هم العرب المضطهدون، وتحول الدعم إلى الفلسطينيين.
في عام 1980، أصبحت أيرلندا أول عضو في المجموعة الأوروبية يؤيد إنشاء دولة فلسطينية. كانت أول مساهمة أيرلندية في بعثة حفظ سلام تابعة للأمم المتحدة في لبنان في عام 1958. وفي غضون بضعة أشهر، كانوا يقدمون مراقبين على طول خط الهدنة بين لبنان وإسرائيل. وكان وجودهم هناك أطول فترة انتشار لقوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة في الخارج. وقُتل ستة وأربعون فردا من قوات حفظ السلام الأيرلندية في أثناء خدمتهم لبعثة الأمم المتحدة بين عامي 1978 و2000.
تضم حملة التضامن الأيرلندية الفلسطينية 15 فرعا من بلفاست إلى ليمريك، ولديها أكثر من 34000 متابع على فيسبوك.
في آذار/ مارس، تعهدت أيرلندا بتقديم 6 ملايين يورو كمساعدات للاجئين الفلسطينيين سنويا لمدة ثلاث سنوات. وفي أيار/ مايو، قدم حزب الشين فين، الذي دعم تاريخيا الجيش الجمهوري الأيرلندي، اقتراحا في البرلمان الأيرلندي لإعلان بناء المستوطنات الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية كضم فعلي. وتم تمريره، ما جعل أيرلندا أول دولة في الاتحاد الأوروبي تقدم مثل هذا الادعاء. في اليوم التالي احتفل الفلسطينيون في رام الله برفع العلم الأيرلندي ثلاثي الألوان.