إسرائيل اليوم - ايال زيسر "في لبنان المجاور، تعد الاشتباكات النارية في الشوارع بين العصابات أو الميليشيات المتخاصمة أمرا اعتياديا. فلبنان هو دولة فاشلة، حكومتها – عندما تقام أخيرا – تفتقد للسيطرة والتأثير على مراكز القوة العاملة فيها، وعلى رأسها، بالطبع، حزب الله. فبعد كل شيء، السياسيون اللبنانيون، بمن فيهم وزراء الحكومة، هم الذين يقفون على رأس الميليشيات التي تعربد في الشوارع. إن غياب قدرة الحكم تخدم مصالحهم السياسية والتجارية، وبالتالي لا يوجد احتمال في أن يعملوا بجدية على تغيير هذا الواقع.
ولكن حتى بتعابير لبنانية، فإن المعارك في وسط العاصمة بيروت كانت حدثا شاذا. ليس بالذات بسبب استخدام الرشاسات وقذائف الـ آر.بي جي، بل لأن النار صوبت نحو حزب الله، القوة السياسية والعسكرية الهامة والقوية في الدولة اليوم.
حزب الله – وحركة أمل الشيعية التي تنجر وراءها – أخرج رجاله للتظاهر مطالبا بإقالة قاضي التحقيق في قضية انفجار مخزن الأمونيوم في مرفأ بيروت في آب 2020. قتل في الانفجار المئات وأصيب الآلاف وتقدر الأضرار بمليارات الدولارات. يبدو أن حزب الله يخشى من أن يوجه القاضي نحوه أصبع اتهام، إذ زعم في الماضي بأن التنظيم هو الذي اشترى خدمة الحرس الثوري الإيراني الأمونيوم، ورجاله هم الذين جعلوا أجزاء من المرفأ مناطق خارجة عن النفوذ الإقليمي تحت سيطرتهم.
في الأوقات العادية، لا يخشى حزب الله سلطات القضاء في لبنان. فقبل بضع سنوات قضت محكمة دولية بأن حزب الله هو الذي يقف خلف اختيار رئيس الوزراء رفيق الحريري، وتجاهل التنظيم قرار المحكمة وشيء لم يحصل. ولكن الوضع اليوم أكثر حساسية من ناحية حزب الله. فلبنان يعيش أزمة سياسية واقتصادية متواصلة، وتوريد الكهرباء والماء متعثر، وفي محطات الوقود نفد الوقود وفي الصيدليات نفدت الأدوية. في مثل هذا الوضع فإن مزيدا ومزيدا من اللبنانيين، وحتى في أوساط ابناء الطائفة الشيعية، يرون حزب الله مسؤولا عن الأزمة وليس من يمكنه أن يساعد في حلها.
يخيل أنه تحطم حاجز الخوف من حزب الله. قبل بضعة أشهر فقط هاجم سكان القرية الدرزية قرب حاصبيا رجال حزب الله الذين أطلقوا الصواريخ من اطراف قريتهم نحو إسرائيل. ضربوهم بشدة وسلموهم هم والسيارة التي أقلتهم للجيش اللبناني. اما هذا فسارع، بالمناسبة، لنقلهم إلى حزب الله.
ومع ذلك، فإن الأجواء في لبنان ليست مشابهة لتلك التي سادت عشية الحرب الأهلية قبل نحو 50 سنة. أحد ليس معنيا بالحرب كما أن احدا غير قادر على أن يصطدم بحزب الله عسكريا. معظم الجمهور المسيحي يقيم علاقات مريحة مع التنظيم بينما يفتقد السُنة للقوة العسكرية، القيادة وبالأساس الإرادة للقتال. أما نصرالله، من جهته، فسارع إلى تحديد رجال القوات اللبنانية كمذنبين. ويدور الحديث عن جناح مسيحي ماروني متطرف كان ينتمي في الماضي للكتائب، حلفاء إسرائيل في حرب لبنان الأولى.
ومع ذلك يحتاج حزب الله إلى الشرعية وإلى التأييد الجماهيري. غير أنه كما تفيد الانتخابات في العراق، التي اوقعت هزيمة شديدة بالميليشيات المؤيدة لإيران في الدولة، بما فيها حزب الله – العراق، يتبين أنه حتى في أوساط الشيعة يتعاظم النقد على اولئك الذين يعلقون آمالهم بطهران.
حزب الله في مشكلة، ولكن الأمر لن يشيح بنظره عن إسرائيل. مثلما في الماضي، هو غير معني بالمواجهة ولكنه مصمم على الإبقاء على معادلة الردع وعدم السماح لإسرائيل باستغلال ضعفه. وبعد كل شيء لا يوجد في نظره أي تضارب بين المواجهات في شوارع بيروت وبين حفظ قدرة إطلاق الصواريخ نحو إسرائيل.