نشرت صحيفة “أوبزيرفر” البريطانية تقريرا أعده مراسلها في الشرق الأوسط مارتن شولوف، بعنوان: “الأسد المنبوذ يتم تسويقه إلى الغرب على أنه مفتاح السلام في الشرق الأوسط”.
ويقول إنه بعد 10 أعوام من الحرب وسفك الدماء، يحاول حلفاء الرئيس السوري الأجانب إعادة تأهيله. فقد ظل الأسد لأكثر من عقد “منبوذا، كافح من أجل ترتيب زيارة في الخارج أو فرض نفسه على زواره. وظل وحيدا في قصره، طبعا باستثناء مساعديه الذين يثق بهم ويدير منه دولة محطمة ويواجه مطالب مهينة من أصدقائه القليلين لتوفير الحماية ولم يترددوا عن إخفاء طلباتهم”.
ففي زياراته المتكررة إلى سوريا، رتب فلاديمير بوتين لقاءاته في قاعدة روسية، وأجبر الأسد على الوقوف خلفه في المناسبات التي يقودها. وفرضت إيران نفسها وشروطها أو همشت الزعيم السوري في القرارات التي حددت مسار بلده. ومع انحسار غبار الحرب ومحاولات المنطقة المتعبة من حرب 10 أعوام إعادة ترتيب نفسها، ظهرت دينامية غير متوقعة، فقد أصبح الأسد المنبوذ، مطلوبا.
وبات الأعداء الذين عارضوه في وقت تفككت فيه سوريا ينظرون إلى دمشق كمفتاح لإعادة ترتيب المنطقة الممزقة. ويبدو أن الوحشية التي أدت لمقتل نصف مليون شخص، العدد المسجل حتى عام 2015 عندما توقفوا عن العد، لم تعد عقبة. ولا حتى دور الأسد في تشريد نصف سكان بلده بشكل غيّر المعادلة السياسية في أوروبا وما بعدها.
وبدلا من تحول سوريا إلى مركز نهاية الشرق الأوسط، أصبحت النقطة المحورية لخطط إعادة استقرار ما بعد الربيع العربي. وعلى مدى الـ12 شهرا الماضية، أرسلت الإمارات والسعودية مسؤولين إلى العاصمة السورية لمقابلة مسؤولي المخابرات. وقامت مصر وقطر بخطوات مبدئية، في وقت حث الأردن الولايات المتحدة على المساعدة في إعادة دمج سوريا، وأنها في موقع جيد للمساعدة.
وفي بداية الشهر الجاري، تلاعبت الولايات المتحدة في شروطها بشكل قد يسهم بعودة الأسد. ففي محاولة لحل أزمة الوقود في لبنان، أعلنت السفارة الأمريكية في بيروت عن خطة لإرسال الغاز المصري عبر الأردن وسوريا. ومنحت الخطة الأسد حصة مباشرة في العثور على حل لأزمة لبنان، وهو تطور يقول الكثيرون في العاصمة اللبنانية إنه سيجر البلد مرة أخرى إلى الوصاية السورية.
وقال دبلوماسي أوروبي: “على أقل تقدير، باتت الأزمتان السورية واللبنانية مندمجتين” مضيفا: “هذا كثير على الحلول السيادية، هل تفهم الولايات المتحدة ما فعلته هنا؟ وبعد الحديث طوال السنوات الماضية عن بناء الدولة، تقوم في النهاية بوضع الفوضى في يد الأسد الذي لعب دورا في تدمير البلدين”.
وعلى غير عادته، وافق الأسد على الصفقة التي تحصل فيه سوريا على جزء من الغاز المصري لاستخدامه في احتياجاتها، كما فعلت عندما وصلت سفينة بنزين إيرانية مخصصة للبنان وأنزت حمولتها في ميناء بانياس السوري، منتصف هذا الشهر. وللاحتفال بالمناسبة، دعا وزراء الحكومة اللبنانية إلى الحدود حيث عمل كـ”بوتين” وأظهر العلم السوري فقط.
وقالت الباحثة اللبنانية ميرنا خليفة معلقة على المشهد: “كان على الوزراء اللبنانيين المغادرة.. لكن الشحاذين لا يختارون، وأُجبرنا على التسول من بشار مرة ثانية”. وعندما زار الملك عبد الله الثاني واشنطن في آب/أغسطس، حث أعضاء الكونغرس على ضرورة الحديث مع الأسد وإشراكه. وكان يقصد من الخطة إحياء الدور الأردني كوسيط في ظل إدارة بادين وتخفيف الأعباء المالية عن الأردن تجاه الأعداد الكبيرة من السوريين الذين يعيشون على التراب الأردني.
وفي إيجاز حضره الملك عبد الله قال: “يمكن للأردن أن يقود في البداية عملية الاتصال لضمان الالتزام قبل أن تتم الاتصالات الموسعة”. ونقلت الصحيفة عن مالك العبدة، المراقب للشأن السوري والمقرب من المعارضة السورية قوله: “ما يريد النظام تحقيقه بشدة هو رفع العقوبات الأمريكية وتلك التي فرضها الاتحاد الأوروبي وإعادة علاقاته مع الدول العربية والغرب. ما يقوم الملك عبد الله بعمله هو وضع هذه الأمور على الطاولة قائلا: لنعطي هذه الأمور إلى الأسد مقابل تغير محدود في السلوك”.
ويرى العبدة أن الأسد لن يتعاون في علاقات تعاقدية كما جاء في المقترح الأردني، بل سيحاول استغلال القنوات التي فُتحت له وتقويض ما لدى الدول العربية والغربية من نفوذ. ويشير شولوف إلى دينامية أخرى ساعدت الأسد في العودة إلى الحظيرة، وهو صعود ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، وتغيير شكل المملكة بعيدا عن النظام الديني المتشدد، إلى دولة وطنية بوليسية تشبه تلك التي بناها صدام حسين ومعمر القذافي.
وقال مساعد مؤثر لزعيم في المنطقة، إن الأسد يشعر بالجرأة بسبب الاهتمام الجديد به، “أرسل السعوديون مدير مخابراتهم. ويريد الإماراتيون صفقات تجارية معه، والآن الأمريكيون والأردنيون. صار من الصعب التعامل معه. وهو يصر على عدم التخلي عن سوريا ويريد من الأمريكيين مغادرة دير الزور، بل ويطالب بأنه يكون له رأي في عملية إعادة انتشارهم”.
وفي مدينة القامشلي، شمال- شرقي سوريا، حيث يسيطر الأكراد، لم تفت على سكانها علامات عودة الأسد. وينظر إليه على أنه منتصر في حرب استنزاف أكثر من انتصار استراتيجي، ونجا بسبب الدور التاريخي الذي تلعبه الدولة السورية بالمنطقة وشكل الدولة الحديثة الذي شكل في عهد والده حافظ الأسد.
وقال عكو عبد الله الذي يعمل كفني اتصالات: “تأكد حافظ من أنه عندما ينهار فرع من نظامه تحدث هزة أرضية في مكان آخر.. الآثار أصابت الجميع وفقد الناس صبرهم”. وقال تاجر في القامشلي معارض للأسد وأعطى اسمه الأول فقط، عبد اللطيف، إن العالم بدأ يتناسى عقدا من الدمار: “خرجوا من أفغانستان وجاء دورنا الآن”. وأضاف: “قريبا سيعود بشار إلى الأمم المتحدة وسترفع العقوبات وسيسطر على لبنان والتاريخ هو الدليل”.
ودعا المحامي البريطاني توبي كادمان، الذي يعمل في قضايا جرائم الحرب ويركز على سوريا إلى عدم التواصل مع الأسد من جديد “فهذا نظام يجب علينا ألا نفكر بإعادة العلاقات الدبلوماسية معه. والتقارب الأخير من الإمارات والسعودية الأردن وقطر يجب التعامل معه بنوع من القلق الشديد”. وأضاف: “لن يكون هناك سلام واستقرار ومصالحة بدون عملية تهدف لتحقيق العدالة والمحاسبة. تخلينا عن الشعب السوري طوال العقد الماضي، وعلينا ألا نتجاوز عدم الاستقرار والظلم بفعل أخير وهو التخلي”.