نشر موقع مجلة “بوليتيكو” مقالا للباحثة حنين غدار قالت فيه إن هناك تراجعا لحزب الله في لبنان وحددت الطريقة التي يمكن لإدارة الرئيس جوزيف بايدن المساعدة.
وأشارت إلى الخطاب الذي ألقاه الأمين العام للحزب حسن نصر الله في الأسبوع الماضي وحدد فيه الكيفية التي قام بها الحزب الموضوع على قائمة العقوبات الأمريكية بإدخال شاحنات وقود محملة بالوقود الذي فرضت عليه الولايات المتحدة عقوبات ووزعته شركة على قائمة العقوبات. ويخطط الحزب لاستخدام شركة تابعة لبيع النفط الإيراني في لبنان الذي يعاني من نقص حاد في البنزين. وقد يؤدي هذا التحرك إلى عقوبات على لبنان الذي يئن تحت وطأة أزمة اقتصادية لم تمر عليه في تاريخه. إلا أن الحكومة اللبنانية الجديدة لم تقل ولا كلمة واحدة ولم يعلق أي وزير من حكومة الائتلاف التي شكلت بعد عام من المداولات على الكيفية التي سيؤثر فيها تحدي حزب الله على لبنان. ويدير حزب الله، المصنف على قائمة الجماعات الإرهابية الأمريكية لبنان منذ سنوات وأقام زواج مصلحته مع الطبقة السياسية فيه.
وانتفع الطرفان من الوضع القائم الذي دافعت عنه النخبة السياسية وسمح لحزب الله بمواصلة مواجهة إسرائيل والمشاركة في النزاعات الإقليمية نيابة عن إيران، في وقت يعاني منه الشعب اللبناني.
كل هذا ليس جديدا، لكن الجديد هو أن قبضة حزب الله الاقتصادية والسياسية على لبنان بدأت بالضعف، مما يعطي إدارة بايدن فرصة لتغيير النهج الفاشل تجاه لبنان. وحتى لو ظلت النخبة السياسية مدينة بالفضل له، إلا أن الحزب لم يعد يتمتع بالشعبية والدعم الذي كان يحظى به من قبل بين الشيعة. وبات الكثير منهم يهتم بالتجارة وليس بالمقاومة التي يرفع شعارها. فالجيل الشاب في لبنان ولد في مرحلة ما بعد الحرب الأهلية والسيادة السورية على لبنان التي ساعدت حزب الله على الوصول إلى السلطة، ومع ذلك لم تتغير السياسة اللبنانية كثيرا خلال العقد أو العقدين الماضيين وكذا قواعد اللعبة الأمريكية في التعامل مع أزمات لبنان المتقطعة. وسنحت اليوم فرصة كي تغير إدارة بايدن المدخل وتستفيد من ضعف الحزب وتحدث التغيرات التي تريدها.
وبدلا من التركيز كما فعلت في الماضي على المؤسسات اللبنانية الفاشلة عليها الاستثمار بقادة الأعمال والناشطين الذين يشعرون بالإحباط المتزايد من حزب الله. وبهذا ستكون الولايات المتحدة قادرة على تقوية شيعة لبنان الذين يريدون التغيير ويصبح لديهم القوة للقيام به. ومنذ ظهور حزب الله قدم نفسه لشيعة لبنان بأنه الحامي والمزود لهم. وقام الدعم الشعبي له على ثلاثة أعمدة: تقديم الخدمات الاجتماعية ومقاومة الاحتلال الإسرائيلي لجنوب لبنان وتأكيد هوية شيعية مشتركة. وتراجعت اليوم شبكة الدعم الاجتماعي للحزب بسبب العقوبات التي فرضتها الولايات المتحدة على إيران. وفقدت فكرة المقاومة وهجها بعد تدخل الحزب في سوريا لحماية نظام بشار الأسد، أما الهوية الشيعية فلم تعد المعلم الذي يربط الكثير من اللبنانيين بالحزب، في وقت باتت فيه الطائفة تشعر بالعزلة في المنطقة.
وفي عام 2019 خرج اللبنانيون من كل الطوائف للاحتجاج على الأزمة الاقتصادية والسياسية وللمطالبة بتغيير النظام القائم على المحاصصة الطائفية. وظهرت منذ ذلك الوقت الكثير من البدائل القوية عن الحزب وبدأت بالتعبير عن مواقف معارضة. وتشمل هذه شبكات رجال أعمال وطلاب شاركوا في التظاهرات التي عارضها الحزب وكذا الناشطين الأذكياء على منصات التواصل الاجتماعي والمهنيين الشباب الذين لا يتذكرون أي شيء عن سنوات ما بعد الحرب الأهلية والتي جلبت الحزب إلى المجال السياسي. وما يهم هذه الجماعات هي الأمور الاجتماعية والاقتصادية وليست مهتمة بالسياسة أو الأيديولوجيا. وفي الوقت نفسه بات الاقتصاد الموازي الذي أقامه الحزب ينهار بسبب تراجع الدعم المالي الإيراني ومشاركات الحزب في النزاعات العسكرية الإقليمية التي جففت خزينته، كل هذا حد من قدرته على توفير الخدمات الاجتماعية والوظائف في القطاع غير العسكري.
وهناك ملامح عن تصدع بين الحزب وقاعدته الدعم التقليدي له. وهو في نزاع متواصل مع حركة أمل التي طالما تحالفت معه. وتعرض حلفاء له آخرون للعقوبات الأمريكية بعدما كشفت التظاهرات في 2019 عن فسادهم. وفي دراسة مسحية أجريت هذا العام وجدت أن التيار الوطني الحر، الحليف المسيحي الرئيسي لحزب الله لا تتعدى شعبيته بين المسيحيين عن 15%. ويعاني الحزب من تباين في داخله بين صفوف المقاتلين وغير المقاتلين. فمن جهة يدفع الحزب رواتب المقاتلين بالدولار أما الموظفين في القطاعات المدنية فيحصلون على رواتبهم بالليرة اللبنانية التي فقدت 90% من قيمتها. وبناء على هذا، فظهور الجماعات الجديدة قد يخرج لبنان من دوامته.
ويشكل الشيعة 30% من سكان لبنان، وهم أهم قطاع لبناء تيار مضاد لحزب الله، لأنهم العماد الرئيسي له. ويمكن للسنة والدروز والمسيحيين دعم بديل عن حزب الله، نظرا لإحباطهم المتزايد من السياسة المحطمة في لبنان. وتقول إنها قابلت الكثير من رجال الأعمال الشيعة في لبنان وأفريقيا والخليج ممن عبروا عن استعداد للعمل مع المجتمع الدولي وبعيدا عن فلك الحزب ومن أجل تقديم قروض ودعم مالي. ويقومون بتوفير الدعم المالي والسياسي للناشطين ومنظمات المجتمع المدني في المدن والبلدات الشيعية، ويهدفون لبناء جذور سياسية حماية لأنفسهم من العقوبات عليهم وإبعاد أنفسهم عن الحزب.
وقبل اغتياله بداية العام الحالي كان الناشط السياسي والمفكر لقمان سليم يعمل وعن قرب مع هذه الجماعات ومنظمات المجتمع المدني ورجال الأعمال. ويعطي هذا الحماس طريقا جديدا وفرصة للولايات المتحدة والمجتمع الدولي. وبدلا من استمرار دعم المؤسسات اللبنانية التقليدية الضعيفة والتي يسيطر عليها حزب الله، على الولايات المتحدة الاستثمار في هذه الجماعات غير الرسمية. وستكون النتيجة منظمات مجتمع مدني مشكلة بشكل جيد وتتمتع بعلاقات مع المؤسسات الأمريكية والأوروبية والدولية وتركز على خلق فرص اقتصادية وتقوي الأصوات السياسية الجديدة وتمنح بديلا ذا معنى عن حزب الله للشيعة الذين يشعرون بالإحباط.
ويجب أن تضم الجماعة رجال أعمال وشيعة في الشتات وناشطين وشخصيات شيعية مؤثرة. ويمكن أن تعمل المؤسسات المانحة في الولايات المتحدة والبنك الدولي وصندوق النقد الدولي مع هذه الجماعة لتشكيل وتطوير إدارتها. وما يهم هو أن يتم كل هذا خارج مؤسسات الدولة والأحزاب السياسية. ويجب على المجتمع الدولي التركيز على الخدمات الأساسية في مجال الاقتصاد، والصحة، وحماية الناشطين والصحافيين. ويتم عمل هذا من خلال دعم المبادرات الخاصة والمنظمات الشعبية التي تعمل على توفير الخدمات في المجتمعات الصغيرة والمنظمات الإعلامية المستقلة.
ويعد توفير الفرص الاقتصادية مهما نظرا لانهيار القطاع الخاص في لبنان واختفاء الطبقة المتوسطة تقريبا. وبات الشيعة بين خيار الاعتماد على حزب الله الذي يوفر الأعمال أو الجوع. وهذا لا يعني توقف الولايات المتحدة عن دعم مؤسسات مثل الجيش وتقديم الدعم الإنساني، ولكن يجب تكييف الوضع بطريقة تتواءم مع مدخل دعم مؤسسات المجتمع المدني. كما ويجب أن يكون الدعم بطريقة لا يفيد الدوائر الموالية لحزب الله في الجيش وهي المتهمة باستهداف الناشطين. ويمكن أن تشرط واشنطن الدعم بحماية الناشطين كما ويجب عدم تقديم الدعم الإنساني للمنظمات غير الحكومية المرتبطة بالأحزاب السياسية القوية. وبالتوازي مع كل هذا يمكن للولايات المتحدة مواصلة فرض العقوبات على الساسة الفاسدين، من خلال قانون ماغنستكي مثلا.
وما يتفق عليه كل من حزب الله وإيران هو القوة الناعمة، ففي الوقت الذي تدعم فيه الولايات المتحدة وحلفاؤها الأوروبيون الأحزاب السياسية وتقدم الدعم الأمني للجيش وبرامج التنمية، مولت إيران مجتمع الأعمال الشيعة والمنظمات الإعلامية والتعليمية والمبادرات غير التقليدية مثل الأمن الإلكتروني والموسيقيين وجماعات الشباب المؤيدة لإيران، مثل كشافة المهدي. وهو ما أدى لخلق اقتصاد مواز. ومع ضعف القوة الناعمة لحزب الله فهناك فرصة مماثلة للولايات المتحدة لكي تستخدم نفس الوقت وتساعد على خلق فرص عمل. وانتظار تغير حزب الله والطبقة السياسية هو مضيعة للوقت، لكن ما يتغير هو المجتمع اللبناني، ولدى أمريكا فرصة للاستفادة من هذه التغيرات والاستثمار بالمجتمع المدني والمساعدة على ظهور بديل قابل للحياة عن حزب الله.