هآرتس - بقلم: نوعا لنداو "سأبدأ المقال بقصة قصيرة، تمثل الواقع. قرر فصيل متطرف في القدس مؤخراً الخروج إلى حرب “ضروس” ضد مرور القطار الخفيف في أحياء دينية. لماذا؟ لأن القطار يمثل اقتحاماً مخيفاً يناقض “الطابع الأصولي”، ويطلبون أن يمر تحت الأرض. لماذا يبدو القطار غير محتشم في حين تبدو الحافلات محتشمة؟ هل هذا يتعلق بما توصل إليه فرويد؟ مراسل “أخبار 12″، يئير شركي، وهو يحاول الحصول على جواب من المتظاهرين، لم ينجح في فهم الأمر. ولكن الجواب الحقيقي كان واضحاً، وهو أن “كل جديد ممنوع في التوراة”.
إن مصطلح “الوضع الراهن” تجذر في إسرائيل خصوصاً فيما يتعلق بالعلاقة بين الدين والدولة. ولأن مصدره في اتفاقات قديمة بين مجموعات سكانية، فيبدو أنه يعكس تصالحاً نموذجياً تم التوصل إليه في وقت ما، وكل تغيير سيضر بنقطة توازن مثالية. ولكن كل إسرائيلية تعرف أن الوضع الراهن ليس تسوية مثالية، بل تمسك بوضع قائم وتخليد علاقات قوة ترسخت، حتى لو كانت خاطئة من أساسها.
الوضع الراهن لا يخلد علاقات القوة فقط، خلافاً لفهم سائد بأنه يخلق نوعاً من جمود الزمن، بل ويمكن الطرف الرابح من تعميق السلوك الذي يفضله، في حين أن يكون الطرف الخاسر مقيداً. كل ذلك يذكره الإسرائيليون جيداً. لأن الوضع الراهن ما زال يمنعهم من استخدام المواصلات العامة أيام السبت، لكنهم يفضلون النسيان عندما يتعلق الأمر بسياسة إسرائيل في “المناطق” [الضفة الغربية].
منذ سنوات طويلة والسياسة المفضلة لدى حكومات إسرائيل في الموضوع الفلسطيني هي “الحفاظ على الوضع الراهن”. بدون وجع رأس المفاوضات وبدون اختراقات، يكفي ما هو قائم، وهذا كل ما في الأمر. احتلال عسكري إلى الأبد. حول نتنياهو هذه السياسة إلى راية. ويبدو أن بينيت ينوي استغلال هذه المقاربة بصورة أكبر. في مقابلة مع “نيويورك تايمز”، وصف في هذا الأسبوع كيف ستحافظ حكومته على نوع من التوازن الوهمي. لأنهها لن تقوم بالضم، ومن جهة أخرى لن تؤيد قيام دولة فلسطينية. هل هذا تجميد للزمن يفيد الجميع؟ بالتأكيد لا. الوضع القائم على الأرض لا يخدم إلا من يعارضون حل الدولتين. والدليل يظهر في أقوال بينيت نفسه، الذي قال في المقابلة بأن إسرائيل ستواصل توسيع المستوطنات باسم “الزيادة الطبيعية” إلى جانب تجميد ظاهري. وسيصادق للفلسطينيين ظاهرياً على البناء في “القرى القائمة”، أي أن إسرائيل ستواصل التوسع بشكل غير قانوني، لأن هذا هو القائم، في حين يبقى الفلسطينيون في مكانهم.
خلافاً لنتنياهو، الذي رسّخ سياسة عدم وجود سياسة على حكومات يمينية ومستوطنين الذين استفادوا من الوضع حتى لو أنهم فضلوا الضم، ها هو بينيت يستخدم التنوع السياسي في ائتلافه؛ لتبرير هذه السياسة. “ما نقوم به هو العثور على الطريق الوسط”، قال. “كيف نركز على ما نحن متفقون عليه”. الوضع القائم الذي يمكن من تعميق الاحتلال والضم الزاحف، إضافة إلى توسيع المستوطنات، ليس في أي حال من الأحوال طريق وسط. اليسار في الحكومة يعرف ذلك جيداً، لكنه يسمح بتخليد هذه الفرضية، ويسمح لبينيت باستخدامه كذريعة.
وبرعاية أسطورة/ خدعة “الوضع الراهن” حول مصالحة متزنة من إنتاج سياسة الوسط التي تتمسك بالرغبة الوهمية للشعب، فإن حكومة بينيت ستدفع قدماً، بصورة أكثر من أي وقت مضى، بتخليد الوضع السيئ القائم، وستعمق علاقات القوة في المناطق [الضفة الغربية] لأجيال، وستحول دون إمكانية حل الدولتين، وكل ذلك برعاية أجنحة اليسار. لأن الجديد ممنوع بحسب التوراة، والأساس هو أن لا يمر قطار السلام هنا في أي يوم من الأيام.