خطط رئيس الحكومة الإسرائيلية، نفتالي بينيت، إلى أن يكون الموضوع النووي الإيراني الموضوع المركزي خلال لقائه مع الرئيس الأميركي، جو بايدن، الذي تأجل من أمس إلى عصر اليوم، الجمعة، بتوقيت القدس، في أعقاب التفجير قرب مطار العاصمة الأفغانية كابل، وسقوط عشرات القتلى والجرحى وبينهم عسكريون أميركيون.
لكن تقارير وتحليلات في الصحافة الإسرائيلية، الصادرة اليوم، رأت أنه لن يكون لدى بايدن الوقت للاستماع لبينيت، الذي كان يعتزم أن يطرح أمام الرئيس "خطة لجم" للبرنامج النووي الإيراني، في وقت تحدث فيه مسؤولون أمنيون إسرائيليون خلال لقاءات مع نظرائهم الأميركيين حول عودة "الخيار العسكري" ضد إيران، وفيما تشير تقديرات إسرائيلية إلى أن الموضوع المركزي خلال اللقاء سيكون العلاقات الإسرائيلية – الصينية، التي يريد بايدن تقليصها إلى أدنى مستوى.
وأشارت صحيفة "معاريف" إلى أن تقليص التعاون التجاري الإسرائيلي مع الصين، الخصم الاقتصادي الأكبر للولايات المتحدة، كان الموضوع الذي طُرح في جميع اللقاءات بين مسؤولين إسرائيليين وأميركيين. وكان رئيس وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية (CIA)، وليام بيرنز، قد نقل خلال زيارته لإسرائيل، قبل أسبوعين، رسالة حول عدم رضا البيت الأبيض من الحضور الصيني البارز في السوق الإسرائيلية واستثمارها في البنية التحتية وأنشطتها في ميناء حيفا الجديد وغير ذلك.
ونقلت الصحيفة عن المديرة العامة لمعهد "سيغنال" للعلاقات الإسرائيلية – الصينية، كاريس فيتي، ومدير السياسات في المعهد نفسه، تومي شتاينر، قولهما إنه "عندما يجلس بينيت في الغرفة البيضوية، سيستمع، وفقا للتقديرات، لمطلب أميركي واضح بتقليص علاقات إسرائيل مع الصين إلى الحد الأدنى. وفيما تتواجد ’مصائب’ أكبر على طاولة بينيت، يصعب توقع أنه سيرفض".
وأضافا أنه "يرجح أيضا أن بينيت سيواصل السياسة الموجودة منذ سنوات، وتقررت بالأساس بموجب ما ’تسمح’ به الولايات المتحدة لأن تقوم به إسرائيل مع الصين، ومن دون دراسة المصلحة الإسرائيلية جيدا".
وتابع الخبيران أنه "ليس فقط أنه لا توجد للصين أي مصلحة بأن تحل مكان الولاية المتحدة كحليفة لإسرائيل، وإنما يبدو أن العكس صحيح. والدليل، أنه خلال عملية حارس الأسوار العسكرية (العدوان الأخير على غزة) ليس فقط أن الصين وجهت انتقادات لإسرائيل، وإنما كانت على رأس الحملة المؤيدة للفلسطينيين في الأمم المتحدة".
وأوضح فيتي وشتاينر أن العلاقات التجارية بين إسرائيل والصين اتسعت بشكل كبير في العشرين عاما الماضية، من 50 مليون دولار في العام 1992 إلى 11 مليار دولار حاليا.
"لا وقت لدى بايدن لبينيت"
أشار المحلل العسكري في صحيفة "هآرتس"، عاموس هرئيل، إلى أن "الأسبوع الكارثي الذي شهدته الإدارة الأميركية، على خلفية الانسحاب الذي تعقد من أفغانستان، وضع زيارة بينيت منذ بدايتها في الظل. ولا يوجد لدى بايدن وقت أو إنصات كثيرين لبينيت، فيما المشاهد الدموية من كابل تثير ذكريات مقموعة لدى الأميركيين من سايغون. لكن المضيفين يسعون لاستقبال محترم لبينيت، ولذلك اهتموا بعقد اللقاء رغم الوضع. فما زالت لديهم مصلحة كبيرة بنجاح ولاية بينيت" تحسبا من عودة بنيامين نتنياهو إلى الحكم.
وقال بينيت للصحافيين الذين يرافقونه إلى واشنطن إنه يعتزم طرح إستراتيجية جديدة ضد إيران أمام بايدن. وكتب هرئيل في هذا السياق أنه "بالإمكان التشكيك إذا كان سينجح بتغيير رأي الرئيس. والتوقيع على اتفاق نووي جديد، يكون مشابها جدا للاتفاق القديم، متعلق الآن بالأساس برغبة الإيرانيين. ورغم ذلك، بإمكان بينيت أن يتطلع إلى استخراج تعهد من بايدن بأن يمنع، وليس خلال ولايته فقط، تحول إيران إلى دولة نووية والسعي لاتفاق ’أطول وأقوى’. وتم التداول في ذلك بين الجانبين الآن بعد الفشل الساحق لإستراتيجية ترامب – نتنياهو. فقد أدت سياسة الضغوط القصوى وانسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق إلى نتائج معاكسة، وباتت إيران الآن أقرب إلى القنبلة من أي وقت مضى".
وأضاف هرئيل أنه "في الحلبة البيتية، تم إنقاذ بينيت الأسبوع الحالي من مصيدة عند حدود غزة، إثر الإصابة الحرجة لجندي إسرائيلي خلال مظاهرة فلسطينية عند السياج الأمني المحيط بقطاع غزة، وبعدما أخطأ بينيت باسم هذا الجندي خلال محادثة هاتفية مع والده. ونشأت هنا دوامة، هدفها تقويض مكانة بينيت وقادة الجيش الإسرائيلي وتوريطهم في مواجهة تنغص على زيارته للولايات المتحدة".
وتابع هرئيل أن "الحكومة الجديدة ما زالت تواجه اختبارا في جبهات أخرى، وأولها لبنان. ولديها أسباب جيدة لضبط النفس مقابل مقذوفات حزب الله من لبنان وبعدها الفلسطينية من غزة، لكن تراكم هذه الأمور قد يُفسر في المنطقة كضبط نفس وإظهار ضعف أيضا. وبشكل دائم تقريبا، يتحدث الجيش الإسرائيلي كثيرا عن إيران، ويستعد لحرب في لبنان وقد يجد نفسه يقاتل في غزة في النهاية".
واعتبر هرئيل أن زيارة بينيت لواشنطن "لا تهم الإسرائيليين كثيرا. وينتاب المواطنين حاليا قلقا حيال أمور أخرى، وأولها التخوف من فشل سياسة مواجهة كورونا وأن يقود ذلك إلى فرض قيود جديدة متشددة. لكن حتى لو حقق بينيت نجاحا معينا في زيارته القصيرة إلى الولايات المتحدة، فإنه يتوقع أن يتبدد بمجرد هبوطه في البلاد وأن يعود إلى مواجهة المشاكل التي تضع الحياة الحقيقية أمامه".
لا أحد باستثناء إسرائيل يريد تصعيدا ضد إيران
اعتبر المحلل السياسي في صحيفة "يديعوت أحرونوت"، أليكس فيشمان، أن "إيران لم تكن أبدا قريبة من القنبلة النووية مثل اليوم، وإسرائيل أيضا تقترب من مفترق طرق. وليس مبالغا القول إن حكومة بينيت تقف في العام 2021 أمام معضلة تردد حيالها نتنياهو ووزير الأمن، إيهود باراك، في العام 2010".
وأضاف أنه "في الوثائق التي يحملها بينيت معه إلى لقائه مع بايدن، يؤكد خبراء نوويون والمسؤولون في جهاز الأمن الإسرائيلي على أن إسرائيل تدخل إلى مفترق يتعين عليها فيه اتخاذ قرار بشأن خطوات عملية مقابل إيران. وفي حينه، في العام 2010، عانق الأميركيون إسرائيل، وطوروا القنبلة العملاقة القادرة على اختراق المنشآت النووية في باطن الأرض وكالوا الوعود. وكل هذا ذاب مع مرور الوقت".
ورجح فيشمان أن يكون خبراء CIA قد أعدوا بروفايل دقيق عن بينيت، "وخبراء العلاقات العامة في البيت الأبيض لن يفوتوا أي فرصة من أجل مداعبة غرور الزعيم الإسرائيلي الشاب، والرئيس بايدن ’سيدهنه بالعسل’. لكن بعد العناق الدافئ سيطلب الأميركيون من بينيت المزيد من الوقت ويطالبونه بالتحلي بالصبر في القضية الإيرانية".
وأردف فيشمان أن "الإدارة الأميركية بحاجة إلى هذا الوقت لأنه ليس لديها أدنى فكرة إذا كانت الحكومة الإيرانية الجديدة، برئاسة رئيسي، ستعود إلى المحادثات النووية في فيينا، وبأي شروط".
ووفقا لفيشمان، فإن "هذه المماطلة تثير في إسرائيل تخوفا من أن الدول المشاركة في الاتفاق النووي اعتادت على الوضع الحالي. وكل واحدة منها منشغلة بشؤونها. فالمستشار الألمانية توشك على نهاية ولايتها، والرئيس الفرنسي منشغل بانتخابات 2022، والبريطانيون مثل باقي أوروبا ليسوا معنيين بتوتر عالمي آخر يلزمهم بتدخل عسكري. والانسحاب من أفغانستان يعبر جيدا عن تعب وعدم اهتمام الولايات المتحدة وأوروبا بأزمات عسكرية. والصينيون والروس أيضا لا يظهرون اهتماما بممارسة ضغط عسكري على إيران".
وتابع فيشمان أنه "في واقع كهذا، ستعمل إسرائيل في كافة القنوات السياسية من أجل إقناع بايدن ألا ينتظر وأن يشدد العقوبات على إيران بشكل أكبر". ولفت فيشمان إلى أن الموساد سرق 20% فقط من الأرشيف النووي الإيراني، في العام 2018.