تواصل معي صديق عزيز، تربطني به علاقة صداقة عريقة وجميلة، وأسرّ لي بأنّه “قرفان وعايف التنكة”.
والحقيقة أنني تفاجأت من موضوع “قرفه”، وقلت في سرّي بيني وبين نفسي، ربما هي سحابة صيف وتنقشع عمّا قليل، وستعود مياهه إلى مجاريها دون “قرفٍ” ودون “عيافة التنكة”!!!
لكنه زادني من شعر “قرفه” بيتا ناريّا بإصراره على أنّه سيغادر البلاد إلى غير رجعة، هو وعائلته، حتى لو كانت وجهته “بلاد الواق واق”!!!
لا أدّعي بأنني أعرف بلاد “الواق واق”، فقد سمعت عنها رُبما في الحكايات والسواليف الشعبية، كما أنني لا أعرف في أيّ قارّةٍ تقبع، وما هي عملتها الوطنية؟؟ هل هي الدولار أم الين أم اليورو أم اليوان أم الليرة اللبنانبة؟؟!!
لكنني قلقت فعلا على صديقي وعلى توجّهاته واحتمال خوضه مغامرة لا تُحمد عُقباها، فحاولت أن أستدرجه إلى غمار حوار يُنسيه “بلاد الواق واق” ولو مرحلّيا ويجعله يُعيد النظر في حساباته ونظريّاته، والله المُستعان.
قلت له: “ربنا يجيب إلّي فيه الخير”.
وأردفت: “وأن تمتلئ سلال الشعب الفلسطيني بالدُرّاق والبرقوق في عزّ فصل الشتاء، وبالبرتقال والكلامنتينا في عزّ فصل الصيف.
وأن “يهطل” علينا الثلج كالبوشار مُزيّنٌ بقوس قُزح، وأن “يندف” علينا المطر ماءً زُلالا بالمزاريب.
وأن يأكل أهل الجنوب “المسخّن” بخبز الطابون وبزيت الزيتون البلدي البكر من الشجر للحجر، وأن يأكل أهل الشمال “المنسف” بالجميد الأصلي وبالسمن البلدي.
أمّا أهل الوسط فليأكلوا وجبة مشتركة “فيفتي فيفتي”، نصفها مسخّن ونصفها منسف في نفس الصحن.
وصحتين وعافية.
قهقه صديقي وبانت نواجذه كُلّها، وسالت دموعه من فرط ضحكته، وقال لي:
والله هذا أجمل ما سمعت. كلامك في الصميم.
فأجبته: “تفاءلوا بالخير تجدوه”.
فأجابني: لكنني أنا “غاسل” أيديّ من هالأوضاع.
فأجبته: إذن النظافة من الإيمان، على كلّ حال.
تابع كلامه قائلا: لكن أنا والله بأفتخر بإيجابيّاتك، في زمنٍ قليل فيه الإيجابيّات، أنا أهنّئك والله.
فأجبته: “لا تقنطوا من رحمة الله”.
قال: “ونِعمَ بالله”.
فأكّدتُ عليه: “بلادي وإن جارت عليّ عزيزة وأهلي وإن ضنّوا عليّ كرام”.
فأجابني: “صحيح، نعم صحيح”
ودّعته وأنا على يقين وقناعة بأنني قد استطعت أن أُنسيه “بلاد الواق واق” ولو مرحليّا …
كاتب ودبلوماسي فلسطيني