م يكن هناك أي نظرية للنصر في أفغانستان بالنسبة للولايات المتحدة، ولكن السرعة الخاطفة التي انهارت فيها الحكومة والقوات الأفغانية كانت مروعة للغاية، ولكي نفهم مدى الذهول الأمريكي مما حدث، يجب أن نتذكر أن الرئيس جو بايدن قد رفض قطعياً فكرة انهيار أفغانستان في مؤتمر صحافي في 8 يوليو كما رفض أي تشابه مع فيتنام وقال:” لن نشاهد أشخاصاً يرفعون من فوق سطح سفارة الولايات المتحدة من أفغانستان”.
وبالنسبة للباحث روبرت مانينغ من مركز سكوكروفت للاستراتيجية والأمن في المجلس الأطلسي، فإن رؤية هذا الواقع القاتم المتمثل في إخلاء الطائرات المروحية للسفارة الأمريكية بعد 38 يوماً ربما يمثل آخر خدعة أمريكية للذات بشأن حرب بدأت كرد فعل ضروري على أحداث سبتمبر، وأضاف مانينغ في مقال نشره موقع “ذا هيل” القريب من الكونغرس أن المهمة الأمريكية تسللت إلى خيال لا طائل من ورائه لبناء دولة، وفي خطابه يوم الإثنين الماضي، أقر بايدن بأنه اخطأ في قراءة الموقف، وقال:” الحقيقة هي أن ما حدث بسرعة أكبر مما توقعنا”، ولكنه لم يتحمل المسؤولية عن التنفيذ المروع وغير الكفؤ لعمليات الانسحاب.
أفغانستان، كما يضيف مانينغ، وهو عضو سابق في فريق التخطيط بوزارة الخارجية الأمريكية ومجلس الاستخبارات، كانت كارثة منذ أكثر من 20 عاماً عبر أربع إدارات جمهورية وديمقراطية، وجاءت حماقة بايدن التكتيكية فقط كتتويج للغطرسة الهائلة التي أعقبت 11 سبتمبر، مشيراً إلى أن أن التجربة الأفغانية بدأت في الانحراف عن مسارها عندما غزا بوش العراق، في أحد أسوأ قرارات السياسة الخارجية في تاريخ الولايات المتحدة.
وأشار الباحث إلى أن طالبان انتظرت خروج الآلاف من القوات الأمريكية في عهد الرئيس الأسبق باراك أوباما واستجابت للتفاوض مع إدارة الرئيس السابق دونالد ترامب بخصوص مبادلة السجناء ، ولم تهاجم الحركة الجيش الأمريكي بعد إقرار اتفاقية لها علاقة بالانسحاب الأمريكي.
أمريكا يجب أن تفهم حدود قوتها وأن تتواضع وأن تتعلم بأنها ليست استثنائية لمجرد أنها تملك “مطرقة كبيرة”
والمفارقة كما يضيف مانينغ هي أن الولايات المتحدة انتصرت في مهمتها الأصلية حيث دخلت القوات أفغانستان في 7 أكتوبر 2001، وبحلول أوائل ديسمبر اختفت حركة طالبان وكان تنظيم القاعدة في حالة فرار.
وبالتأكيد، هناك وفرة في الدروس التي يجب تعلمها حول سوء الحكم على المتطلبات الأساسية لمكافحة التمرد وحول مخاطر “زحف المهمة” وفرض مفاهيم الولايات المتحدة لبناء دولة لا تتناسق ثقافتها وتاريخها وسياستها مع أمريكا، كما يجب تعلم الدروس حول استخدام المقاربات العسكرية لمعالجة المشاكل السياسية في نهاية المطاف، والأهم من ذلك كله، يجب تعلم الدروس حول “خداع الذات” الذي يغذيه الجمود البيروقراطي والغطرسة التي ينطوي عليها عدم فهم حدود القوة الأمريكية.
وبحسب ما ورد في مقال “ذا هيل” تعود المشكلة الأفغانية في الواقع إلى عهد الرئيس جيمي كارتر عندما كان المجاهدون، الذين تدعمهم الولايات المتحدة (بما فيهم أسامة بن لادن) يقاتلون الاتحاد السوفيتي، مشيراً إلى أن الحركة ظهرت بقليل من المساعدة من وكالة المخابرات الباكستانية.
هناك مشكلة أمريكية في فهم الثقافة الأفغانية ولم يكن الأفغان بحاجة لتعلم كيفية القتال، فقد كانوا يقاتلون الغزاة الأجانب منذ الأسكندر الأكبر
يقول كتيب للجيش الأمريكي حول “مكافحة التمرد” إن ما يوفر الفرصة للمتمردين هو “ثغرات كبيرة في قدرات الدولة أو حلفائها المحليين على السيطرة على الأراضي وسكانها، وعلى حد تعبير الباحث، فإن فشل الحكومة الأفغانية الفاسدة والطائفية والعرقية في إرساء شرعية وطنية كافية يساعد في تفسير ذلك.
ومن الواضح أن هناك مشكلة أمريكية في فهم الثقافة الأفغانية والتاريخ والسياسة، ولم يكن الأفغان بحاجة لتعليم كيفية القتال، فقد كانوا يقاتلون الغزاة الأجانب من الإسكندر الأكبر.
وقد يكون هناك تضخيم مبالغ فيه للمخاوف من تحطم المصداقية الأمريكية، كما يضيف الكاتب، ولكن المخاوف بشأن مصداقية أمريكا في أذهان الحلفاء والخصوم تزايدت بشكل مطرد منذ حرب العراق والأزمة المالية لعام 2008 ، كما نقل الرئيس السابق دونالد ترامب هذه الشكوك إلى مستوى جديد.
وحذر المقال من أن الإدارات الأمريكية يجب أن تأخذ بعين الاعتبار تكلفة الإرث الرهيب للسياسة الخارجية الأمريكية في التدخلات الفاشلة، بما في ذلك فيتنام والعراق وليبيا وأفغانستان، قبل المغامرة التالية للولايات المتحدة، وفي نهاية المطاف، يجب احترام حدود قوة الولايات المتحدة في عالم متعدد الأقطاب.
وعلى الرغم من المخاوف المحتملة من جانب حلفاء وشركاء الولايات المتحدة، إلا أن توقعات الباحث تشير إلى المراهنة على الهيمنة الأمريكية، ولكنه أكد على أن واشنطن يجب أن تتعلم التواضع وأن تتعلم أنها ليست استثنائية لمجرد أنها تملك مطرقة كبيرة.