وظّفت الشابة هناء الغول، ومجموعة من أصدقائها، الفن بأشكاله المختلفة لحث مرتادي شاطئ الشيخ عجلين جنوب غرب مدينة غزة على عدم تلويث البحر، فضلا عن إعادتهم تدوير النفايات الصلبة وتحويلها لأشكال جميلة.
جاء ذلك خلال مشروع متكامل يضمّ استراحة، يحمل اسم “تعاونية البحر إلنا”، بمحاذاة شاطئ “الشيخ عجلين”.
المظهر العام لهذه الاستراحة، تختلف عن الصورة النمطية المتعارف عليها، إذ تم تأثيثها من مواد مستعملة وتالفة أعيد تدويرها بأشكال جميلة.
المقاعد بعضها صُنعت من إطارات المركبات المستعملة، وبعضها الآخر من خشب صناديق البضائع والشحن، التي تُسمى بالعامية “مشاطيح”.
وأما نباتات الزينة فقد تم غرسها في صناديق بلاستيكية كانت في الأساس قوارير كبيرة تستخدم لتعبئة الوقود والمواد القابلة للاشتعال.
فيما تم تأسيس أحد جدران هذه الاستراحة من حاويتين كانتا تستخدمان لجمع النفايات، تم إعادة تدويرها وزرعهما بالنباتات المختلفة، لتصلح كجدار.
وعلى جدران الاستراحة، علّقت لوحات فنية تشكيلية تم تصميمها ورسم مكوناتها، من خلال لصق قطع قماش مستعملة، بعد قصّها بالشكل المطلوب، لتعطي في النهاية دلالة معينة.
إحدى تلك اللوحات التي اعتمدت على تدوير القماش، كانت لآلة “الكمان” الموسيقية.
صديق للبيئة
تقول هناء الغول للأناضول، إن فكرة إعادة تدوير المواد المستعملة، جاءت لحث الناس، بطريقة غير مباشرة وممتعة، على الحفاظ على شاطئ بحر قطاع غزة، وإمكانية الاستفادة من المخلّفات الصلبة بدلا من رميها.
وتضيف أن هذه الاستراحة جزء من مشروع متكامل صديق للبيئة، استخدم ووظّف الفن، لتقديم الإرشادات حول أهمية الحفاظ على البحر نظيفا.
وتشير الغول إلى أنها وأصدقاءها استخدموا أيضا فنونا أخرى في سبيل ذلك، من بينها العروض المسرحية.
وتتابع: “ننتظر إلى أن تتجمّع أعداد كبيرة من الناس على شاطئ البحر، ونبدأ بتقديم هذه العروض المسرحية التي تحمل فكرة ندعو من خلالها إلى الحفاظ على الشاطئ”.
وترى الغول أن هذا الأسلوب يجذب المستمع ويدفعه لتقبّل الرسالة التي تحتويه، خلافا لعملية توزيع إرشادات ورقية أو كلامية حول أهمية الحفاظ على نظافة الشاطئ.
وتستكمل قائلة: “دائما المستمع تجذبه الطرق الجديدة التثقيفية والإرشادية والممتعة”.
إلى جانب ذلك، فإن فريق “تعاونية البحر”، يقدّم أيضا عروضا موسيقية وغنائية لتحقيق هدفه، بحسب الغول.
وتشير إلى أن مرتادي البحر يتفاعلون مع الأنشطة التي يقدّمونها ويلحظون ترجمة هذا التفاعل على أرض الواقع، من خلال المحافظة على نظافة الشاطئ.
أيضا دشّن الفريق مكتبتيْن داخل الاستراحة، الأولى أُطلق عليها اسم “المكتبة الخضراء”، وهي عبارة عن مساحة مزروعة بنباتات، تحمل كل نبتة اسمها العلميّ، واسمها المتعارف عليه.
وأما المكتبة الثانية، بحسب الغول، فهي مُخصصة للأطفال تشمل قصصا قصيرة.
وتضيف: “تم تزويد المكتبة باحتياجاتها من الكتب والقصص، إما بشكل ذاتي، أو بتبرع من أشخاص”.
بداية الفكرة
بدأت فكرة هذا المشروع عام 2019، حينما رغبت الغول، برفقة أصدقائها، بتغيير السلوكيات الجائرة، التي يتبعها الناس بحق بحر غزة.
هذه الفكرة، تُرجمت إلى نشاط تعاوني، على بحر منطقة الزوايدة، وسط قطاع غزة، لتنظيف الشاطئ، وفق الغول.
وتقول: “حصلنا على قطعة أرض بمساحة صغيرة، من البلدية، كمساهمة منها لدعم هذه الفكرة، كما حصلنا على تمويل من مؤسسة عبد المحسن القطان، والوكالة السويسرية للتعاون والتنمية، للمساعدة في تنفيذه”.
وتؤكد الغول أنهم بدأوا آنذاك بتدريب مجموعة من الشبان على منهجية التنظيم المجتمعي، التي تتيح استخدام الموارد المتاحة لصناعة التغيير اللازم، وكيفية التفكير في إيجاد البدائل”.
وتبين أن عشرات الفنانين شاركوا في هذه المبادرة، في مجالات مختلفة مثل “ستاند أب كوميدي، وسكتش مسرحي، وغناء، رسم، موسيقى، وإعادة تدوير”.
فيما تم تكرار هذه التجربة عام 2020، والتوسّع بها، في حي الشيخ عجلين.
وكان عدد المشاركين في هذه المبادرة يتراوح ما بين 40-45 شخصا، لكنّه انخفض اليوم إلى 10 أشخاص فقط.
وترجع الغول ذلك إلى تردّي الأوضاع الاقتصادية لدى سكان القطاع، إذ يعجز هؤلاء عن توفير بدل المواصلات التي تقلّهم إلى مكان الاستراحة، بشكل دوري، من أجل تقديم العروض.
وبذلك تأثرت أيضا العروض الفنية التي كان يقدّمها هؤلاء على شاطئ بحر الشيخ عجلين، إذ كانت تُعرض بشكل شبه يومي.
ويعاني سكان غزة أوضاعا معيشية متردية للغاية جراء حصار متواصل تفرضه إسرائيل على القطاع منذ أن فازت حركة المقاومة الإسلامية “حماس” بالانتخابات التشريعية الفلسطينية في 2006.
وتزيد من معاناة هؤلاء الفلسطينيين اعتداءات عسكرية إسرائيلية على غزة من حين إلى آخر أحدثها عدوان بين 10 و21 مايو/ أيار الماضي.
الأناضول-نور أبوعيشة