بعد نحو أسبوعين على إعلان إسرائيل نيلها صفة المراقب في الاتحاد الأفريقي، في 22 يوليو/تموز الماضي، إثر حيلة وقف وراءها رئيس مفوضية الاتحاد، موسى فكي محمد، من دون مشاورات بين الدول الأعضاء الـ55 في الاتحاد، تحركت مجموعة من الدول العربية في الاتحاد مقدّمة اعتراضاً رسمياً، ومطالبة بإدراج هذه المسألة على جدول الجلسة المقبلة من أعمال المجلس التنفيذي.
هذه الخطوة التي جاءت بناء على تحرك من الجزائر، أول المعترضين على إعطاء الاحتلال هذه الصفة، تضمّنت تأكيداً على المقرارات الواضحة للاتحاد منذ زمن طويل بالدعم الثابت للقضية الفلسطينية وإدانة الممارسات الإسرائيلية في حق الشعب الفلسطيني، و"التي تتعارض مع المصلحة العليا للاتحاد وقيمه ومثله ومقرراته" وفق بيان الدول المعترضة، والتي أشارت إلى أنّ قرار موسى فكي شكّل تجاوزاً إجرائياً وسياسياً غير مقبول منه لسلطته التقديرية.
ويعبّر هذا الاعتراض عن قلق عربي، خصوصاً من قِبل الجزائر، من التوغّل الإسرائيلي في المنظمات والمؤسسات الأفريقية، خصوصاً أنّ الاحتلال لم يخفِ احتفاءه بـ"إنجاز" طال انتظاره، من وجهة نظره، وراهن عليه لتحقيق مكاسب سياسية وأمنية واقتصادية عدة، متحدثاً عن أنّ هذا التواجد الفعلي في الاجتماعات يسمح لإسرائيل "بمعرفة ما يحدث" وتتبّع "التطورات والمبادرات السياسية" على أجندة الاتحاد الأفريقي، كما قال دبلوماسي إسرائيلي لم يتم الكشف عن اسمه، في حديث مع صحيفة "هآرتس" في وقت سابق.
واعترضت كلٌّ من الجزائر وتونس ومصر وليبيا وموريتانيا وجزر القمر وجيبوتي، رسمياً على قبول رئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي موسى فكي محمد، وثائق منح إسرائيل صفة عضو مراقب في الاتحاد الأفريقي، في 22 يوليو الماضي، بعد لقاء جمع فكي بالسفير الإسرائيلي لدى إثيوبيا وتشاد وبوروندي، أليلي أدماسو.
الدول المعترضة: لإدراج هذه المسألة على الجلسة اللاحقة من أعمال المجلس التنفيذي
وطلبت هذه الدول، في بيان وقّعه مندوبوها الدائمون لدى الاتحاد الأفريقي في أديس أبابا، من رئيس المفوضية "إدراج هذه المسألة على الجلسة اللاحقة من أعمال المجلس التنفيذي وفقا للفقرة 5 من القسم الثاني من الجزء الثاني من معايير منح صفة مراقب". وأكدت الدول رفضها خطوة اعتماد إسرائيل كمراقب، معتبرة أنّ الخطوة تتعلق "بمسألة سياسية وحساسة أصدر بشأنها الاتحاد الأفريقي على أعلى مستويات صنع القرار فيه ومنذ زمن طويل مقررات واضحة تعبّر عن موقفه الثابت الداعم للقضية الفلسطينية والمدين لممارسة إسرائيل بأشكالها كافة في حق الشعب الفلسطيني، والتي تتعارض مع المصلحة العليا للاتحاد وقيمه ومثله ومقرراته".
كما أبدت الدول أسفها لأنّ رئيس المفوضية لم ينظر في الطلب الإسرائيلي على نحو ما سار عليه سابقوه وفقاً للمبادئ والأهداف الواردة في القانون التأسيسي للاتحاد الأفريقي والمقررات الصادرة عن أجهزة الاتحاد المختلفة، وكذلك المصلحة العليا للاتحاد وآراء وانشغالات الدول الأعضاء ومعايير منح صفة مراقب ونظام الاعتماد لدى الاتحاد الأفريقي التي اعتمدها المجلس التنفيذي في يونيو/حزيران 2005، معتبرة ذلك "تجاوزاً إجرائياً وسياسياً غير مقبول من جانب رئيس المفوضية لسلطته التقديرية". وشددت على المواقف الأفريقية الثابتة والداعمة للحقوق الفلسطينية المشروعة.
بالتوازي مع ذلك، أكدت سفارات الأردن والكويت وقطر واليمن وفلسطين وبعثة جامعة الدول العربية لدى أديس أبابا، تضامنها مع بيان الدول السبع، وأسفها لخطوة قبول إسرائيل في الاتحاد الأفريقي.
وفي وقت سابق قادت الجزائر تكتلاً من 21 دولة لسحب صفة مراقب من إسرائيل.
وقال مصدر دبلوماسي رفيع لـ"العربي الجديد" إنّ الجزائر أجرت اتصالات رفيعة المستوى، لصياغة لائحة قرار أفريقي يُطرح على الاجتماع المقبل لدول الاتحاد لإلغاء القرار، وإنّها تبحث عن تطوير المبادرة، وتطرح على أساسها تعديلاً في ميثاق الاتحاد الأفريقي يتضمّن عدم السماح لأيّ دولة من خارج القارة، تقوم على أساس احتلال أراضي الغير، بالحصول على أيّ صفة داخل الاتحاد.
وفي السياق، أكدت مصادر مصرية أمس الأربعاء، أنّ خطوة الاعتراض من الدول السبع، جاءت بناء على تحرك جزائري، مضيفة أنّ الملف كان ضمن أجندة زيارة وزير الخارجية الجزائري رمطان لعمامرة، الأخيرة إلى القاهرة. وأشارت المصادر إلى أنّ "هناك قلقاً لدى الجزائر التي تعد واحدة من القوى العربية ذات الثقل الأفريقي، من التوغّل الإسرائيلي في منظمات ومؤسسات القاهرة الأفريقية، وهو ما وجدت فيه القاهرة أرضية مشتركة يمكن الوقوف عليها مع الجزائر".
قلق لدى الجزائر من التوغّل الإسرائيلي في منظمات ومؤسسات القاهرة الأفريقية
وحول ما إذا كانت تلك الخطوة ستؤثر على الأدوار التي تلعبها القاهرة، في القضية الفلسطينية وعلى رأسها الوساطة بين الفصائل الفلسطينية والاحتلال الإسرائيلي، قالت المصادر: "بالطبع، سيكون هناك تأثير، لكن ربما يكون إيجابياً، خصوصاً بعد الضغوط التي مارستها تل أبيب على القاهرة أخيراً، بالتلويح بإشراك تركيا في عمليات المفاوضات الخاصة بصفقة الأسرى، والتهدئة في قطاع غزة، وذلك بعد ملاحظات وجهتها الجهات الإسرائيلية المشرفة على المفاوضات للدور المصري، متهمة إياه بأنّه لم يفرض الضغوط الكافية على حركة حماس لإجبارها على إتمام صفقة تبادل الأسرى وتقديم تنازلات".
وأوضحت المصادر أنّه "على الرغم من أنّ هناك علاقات جيدة في إطار الدور المصري في المنطقة مع تل أبيب، لا يتوانى الجانب الإسرائيلي، من وقت إلى آخر، عن فرض ضغوط على مصر، لإجبارها على خدمة أجندته ومصالحه" متابعة: "في المقابل، عندما تتهيأ الفرصة أمام القاهرة لتحجيم تلك الرغبات الإسرائيلية، تسارع لانتهازها، خصوصاً في ظلّ التقاطع الذي ضرب المصالح المصرية جراء السياسات الإسرائيلية في المنطقة، والتي كان آخرها اتفاقات التطبيع مع عدد من الدول العربية".
وبحسب المصادر، فإنّ "انضمام مصر للتحرك بشأن الاعتراض على خطوة رئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي، يأتي في ظلّ بُعد آخر، وهو أزمة سدّ النهضة، وطبيعة دور الاتحاد المنحاز نسبياً إلى إثيوبيا في الأزمة، وكون الخطوة الأخيرة تسمح للإسرائيليين بوضع قدم بشكل رسمي في أزمات مصر". وأكدت أنّ "الخطوة في مقامها الأساسي، هي تنسيق إسرائيلي - إثيوبي، في إطار التحركات التي تقوم بها أديس أبابا، لترسيخ ثقل سياسي لها في منطقة القرن الأفريقي وربط مصالحها بالمصالح المباشرة للقوى الإقليمية الكبرى". وتابعت المصادر أنّ "المسؤولين في القاهرة وجدوا في التجاوب مع التحرك الذي قادته الجزائر، فرصة جيدة للتقارب معها، بعد توتر في العلاقات على مدار نحو عامين، بسبب الملف الليبي، في وقت يمثّل فيه الملف الفلسطيني للجزائر، أهمية كبرى، نظراً لتأثيره الكبير في الشارع الجزائري".