خصصت صحيفة “التايمز” افتتاحيتها للأزمة في لبنان وقالت فيها إن النخبة السياسية تتناحر فيما بينها والبلد يحترق. وأضافت أن لبنان بدون رئيس وزراء وبدون مال وبدون أمل.
وبعد تسعة أشهر عبثية ومحاولة تشكيل حكومة قادرة على منع الانهيار الاقتصادي والتوتر الاجتماعي المتزايد، تخلى سعد الحريري عن المهمة بدون أن يكون هناك خليفة له. وانهار البلد نحو الفوضى والعنف والتضخم العالي وخسرت العملة نسبة 90% من قيمتها أمام الدولار والتضخم بدأ يصل حد ما وصل إليه في زمن فايمر. واندلع العنف في طرابلس، كبرى مدن البلاد، وأكثرها فقرا، نهاية الأسبوع. فلا يوجد بنزين لتشغيل المولدات ولا أدوية متوفرة للمستشفيات ولا كهرباء لكي تبقي على البلد عاملا، ومن يستطيع الهرب هرب.
وتقول الصحيفة إن الأزمة تتشكل منذ سنوات، وهي من عمل اليد وصناعة محلية بالكامل.
فمنذ الحرب الأهلية في 1975 ولبنان منقسم بناء على الطائفية الدينية والشلة من العائلات الغنية الحاكمة التي لا تهمها إلا مصلحتها وبالفشل في تسخير المواهب اللبنانية في التجارة والأعمال من أجل الصالح العام. ولسنين طويلة، ظل المصرف المركزي الذي يشتغل بناء على ديون غير مستدامة، يؤخر يوم الحساب المالي. في وقت واصل فيه الساسة مشاحناتهم مفضلين الثأر السياسي على الوحدة الوطنية.
وترى الصحيفة أن هناك سببين مباشرين للانهيار الحالي، الأول، هو الانفجار الهائل لمخزن بمرفأ بيروت كان يحتوي على أطنان من نترات الأمونيوم وقتل أكثر من 200 شخص. وتم تخزين المادة بطريقة غير آمنة من الحكومة الفاسدة. واستقال رئيس الوزراء لكنه استمر بمهامه كرئيس حكومة تصريف أعمال، ولم يتم توجيه التهم لأي مسؤول.
وفي أعقاب الانفجار دعمت الدول الغربية الصديقة مثل فرنسا المطالب الشعبية باستقالة قادة الطوائف والسماح بتشكيل حكومة تكنوقراط.
أما السبب الثاني، فهو أن فشل سعد الحريري، السياسي المسلم السني المجرب جاء بسبب تعنت الرئيس المسيحي ميشيل عون، 88 عاما، وأمير الحرب السابق الذي أجبر على العيش بالمنفى في فرنسا لسنوات طويلة، لدوره في الحرب الأهلية وجرائمها. وأقام تحالفا يخدم النفس مع حزب الله، الميليشيا القوية المدعومة من إيران، وهو الحزب الذي أحبط كل محاولات الإصلاح وحصن نفسه كقوة رئيسية في البلاد. وأظهر الحزب وإيران رغبة قليلة في التخلي عن السلطة لحكومة تكنوقراط، ولم يكن لديهما أية نية للتسوية أو التنازل للحريري.
وأضافت الصحيفة أن رفض عون تأييد حكومة تستبعد حلفاءه وأعوانه يرمز لكل شيء عفن في النظام القائم على التجمعات الطائفية والولاء للقبيلة. وشجب حلفاء لبنان اليائسون موقفه. ودعت إدارة بايدن كل الأطراف للعمل معا من أجل تحقيق الإصلاحات المطلوبة وبشكل عاجل. وشجبت فرنسا المستعمر السابق قادة لبنان بأنهم يحاولون “عمدا” كبح جماح البلد ومنعه من التقدم. ورفض صندوق النقد الدولي، المؤسسة الوحيدة القادرة على تقديم مساعدات مالية كبيرة تخرج البلد من أزمته حتى يعود البلد إلى عقله. أما البقية في المنطقة مثل السعودية فلا نية لديهم لضخ أموال إلى جيوب الفصائل السياسية، لكن استمرار المواجهة يزيد من المعاناة اليومية: فلا مال لشراء الدواء ولا مال للسيطرة على فيروس كورونا ولا وقود للنقل أو الكهرباء ولا مال لتوفير رواتب الجيش.
وحان الوقت لأن يتولى الجيش اللبناني المؤسسة الوحيدة التي تحتفظ بالاحترام لمواجهة حزب الله وإيران وإعلان قانون الطوارئ وإصدار أمر بتشكيل الحكومة، وإلا فسينضم لبنان إلى الجارة سوريا، حيث ستضاف دولة فاشلة أخرى في هذا الجزء من العالم.