منذ أيام والأحاديث تدور حول تكليف للدكتور سلام بتشكيل حكومة. فالشعب والعالم ربما يتوقع تشكيل الحكومة التي وعد بها الرئيس الفلسطيني بعد تأجيله للانتخابات. حيث يتوقع كذلك الانسان الطبيعي (الشعب والعالم) ان تشكيل حكومة وحدة وطنية تعمل على التهيئة والتحضير للانتخابات التي تم تأجيلها سيكون أحد المهام الأساسية لهذه الحكومة. يعني هذا ان الرئيس يستطيع الفلسطيني يستطيع ان يخرج من المطب الذي أوقع نفسه فيه وتفادي تحوّله الى حفرة سحيقة في الشارع الذي لم يعد يتشكّل الا من حُفر سحيقة متزايدة.
ولكن ما حصل منذ اعلان تأجيل الانتخابات هو تفاقم الأمور من جديد الى أسلوب لم يتغير لدى صاحب السلطة الفلسطينية. اللعب على موضوع الزمن الذي لم يعد يمكن اللعب على وتره اطلاقا. فالأمر ليس كسابقه من وعد بانتخابات متكرر على مدار السنوات العشرة الأخيرة وتأجيلها ومن ثم الهاء الشعب بتشكيل حكومة جديدة او تعديل وزاري.
لم يعد الوضع يحتمل، الامر يبدو كوعاء على نار يغلي بماء وصل حده الأقصى من الغليان وتنشفت منه الماء وبدأ الوعاء بالاحتراق وعلى وشك ان ينفجر الغاز والمطبخ والبيت، ولا يوجد طفاية حريق او حتى صنبور ماء لإطفاء الحريق القادم.
تفاقم الاحداث من القدس الى غزة منذ اعلان تأجيل الغاء الانتخابات جعل الحاجة لتغيير حقيقي أكثر الحاحا. فلم يعد الامر يمكن تحسينه او طبطبته او اغلاق بعض ملفاته وإبراز ملفات أخرى تلهي الناس قليلا او تشغلهم. فما حدث ينذر بكوارث كلها تؤدي الى اقتتال دموي أطلق عليه أحد القادة البارزين احمد المجدلاني “شارع مقابل شارع”. ولم تعد الكوارث التي تسببها السلطة خاضعة للمساءلة، فلقد صار الامر شخصيا لحركة فتح مقابل الشعب، وهذا بالتأكيد الأخطر، لنجد أنفسنا امام حقيقة لا يمكن التوهم بها: حكومة فتح بالضفة وحكومة حماس بغزة. والشعب لا يمكن وصفه الا بالرهينة.
مرعب جدا المشهد. لا يمكن إيجاد وصف اقل من ذلك. فنحن بالفعل دخلنا الى هاوية مشتعلة. وما يجري يبدو وكأنه بدلا من محاولة الخروج من الهاوية بالنظر نحو خروج الى الضوء، حَفْر أكثر يسحب نحو النار الملتهبة.
وأسلوب السلطة على الرغم من تفاقم الوضع ودخوله الى الكارثة لم يتغير. جريمة مقتل نزار بنات سبقته فضيحة اللقاحات وحملة اعتقالات واسعة للمعارضين للسلطة طالت الكثيرين بطرق قمعية صادمة انتهت بمقتل نزار والقمع المؤسف للمظاهرات بالشوارع.
لا يمكن ألا يرى أبو مازن ونخبته ما يجري من شعارات لم تعد تخجل المطالبة برحيله. وبينما يتم حتى التنكر لجريمة مقتل نزار بنات بالتصدي للشارع المقهور، ويقوم من حمّلته عائلة نزار المسؤولية الأولى بضلوعه المباشر بإعطاء الأوامر للاعتقال الذي نتج عنه القتل، محافظ الخليل، بالدعوة لمظاهرة بالخليل لدعم الرئيس أبو مازن. قوى امن مقابل شعب رفع اعلام الحداد على شهيد رأي قتلته قوى الامن (من جهة كان التوقع ان تغرق الخليل بشلال دم سيزهق انتقاما واخذ حق لما تمثله الخليل من ساحة للحكم العشائري، فقدمت عائلة نزار بنات مثالا حقيقيا بالوعي والحكمة، في المقابل يشعل المذنبالمجرم الشارع. بالفعل تتصرف عائلة نزار بنات كسلطة بحكمتها وترويها، وتتصرف السلطة برعونة وطيش). وفي حالة العجز حتى عن إيجاد كبش فداء لهذه الجريمة تتمثل باستقالة أوإقالة لمسؤول، يبدو ان الطريق الى ان يكون أبو مازن هو كبش الفداء لكل هذه المرحلة التي يتحمل هو بالفعل مسؤوليتها هو القادم. لأنه مهما رفعنا شعارات استياء، ومهما تأكدنا من ان رحيل أبو مازن قد حان، الا ان أبو مازن ليس الا شخصا في هذه المنظومة المتآكلة التي لن يكفيها ان تلتهم الشعب لتبقى.
وعليه، فان قمع الشارع بهذه الطريقة البوليسية التي ذكّرت الناس بالأنظمة الشمولية البائدة والحالية صار يتطلب تغييرا أكثر من كونه شكليا بتشكيل حكومة يتم اسكات فيها العالم والشعب الذي ينظر الى ما يجري باستياء، وغضب، واحباط، وترقب. وخرج الى النور الوهمي تكليف منتظر لسلام فياض بتشكيل حكومة.
قد يكون المخرج الوحيد للأزمة المتفاقمة هو تسلّم سلام فياض زمام الامر لمحاولة اصلاح ما يمكن إصلاحه ودرء المخاطر الكارثية ما أمكن. من جهة يبدو سلام فياض كحل امام الشعب الذي يخشى إذا ما انهارت السلطة بالكامل من انهيار اكيد للمؤسسات والاقتصاد. ومهما حاولنا التشكيك وشيطنة حقبة سلام فياض (بالتأكيد كان هناك إشكاليات واخطاء ومطبات) يبدو الرجل الأكثر سلاما وحكمة وقبولا للجميع. لا ازمة حقيقية بين فياض وفتح وحماس والشعب، وهناك اجماع وثقة كبيرة عليه من قبل المجتمع الدولي. فلا خلاف على ان الرجل مستقل ووطني لا مصلحة له ولا اجنده خفية له غير الحرص على هذا الوطن، لذلك فليس بالغريب ان يكون هو الشخص الذي تحوم حوله وتترقبه الأعين ليتصدر المرحلة القادمة.
ولكن ليس بالغريب أيضا، ان يفهم المتطلع عن قرب أكثر، ان عدم وجود ازمة حقيقية بين سلام فياض وكل من فتح وحماس لا يعني ان هذا هو المطلوب. فقد تكون مشكلة سلام فياض لكل من الطرفين عدم وجود ازمة حقيقية بينه وبين الطرف الاخر، وكونه مستقلا لا اجندة خفية في جعبته.
وسلام فياض يضع على الطاولة ما هو جدي أكثر مما هو مطروح لمن سيشكل الحكومة المرتقبة. سلام فياض يريد تشكيل حكومة وحدة وطنية (لا يهم ماذا تسمى، حكومة انقاذ وطني، طوارئ…) غير قائمة على شروط الرباعية الدولية، له صلاحية كاملة بتشكيلها، يكون على رأس جدول اعمالها التحضير لانتخابات تشريعية، وعملية إعادة اصلاح حقيقي بالمؤسسات كافة تبدأ بالشفافية والمساءلة.
ولكن لحقيقة ما يجري شكل آخر، فبينما تكثر الاشاعات عن موضوع تكليف قادم، ومقالات تحليلية من كل اتجاه لما حصل بزيارة سلام فياض للرئيس الفلسطيني ومن بعدها الى غزة، جعلت حتى المتحدث باسم فتح يكتب بيانا توضيحيا عن زيارة سلام فياض للرئيس ولغزة. سلام فياض قدم تحليلا شخصيا منطقيا سليما لحقيقة ما يجري من مواقف إقليمية ودولية، بلا مواربة ولا مجاملات عن الواقع الدولي والتوقعات من اطرافه، وعرض على الجميع ما عرضه ويعرضه في كل حديث له عن تصوره للخروج من المأزق الفلسطيني المتفاقم منذ سنوات. لا يمكن الاستمرار تحت انقسام يتم التكريس له يوميا، الحاجة الى حكومة وطنية جامعة مطلب أساسي للعمل الجدي، فلا يمكن ان نكون جسمين منقسمين متحاربين ندعو الى انتخابات واحدة. لا يمكن التأكد من نزاهة الانتخابات في ظل حكومتين. ولا يمكن اجراء انتخابات كما رأينا في ظل غياب للأمن والقانون والتحكم بالتشريعات والقضاء بلا اليات واو مرجعيات وعلى حسب قرار جهة واحدة تتحكم بالقانون، والقضاء، والتشريع، والامن. وعليه هناك حاجة لتشكيل حكومة وحدة وطنية بصلاحيات كاملة لفترة زمنية محددة تنتهي بإجراء الانتخابات اللازمة.
وعليه كذلك، لا يمكن ان يكون هناك تكليف لحكومة يترأسها سلام فياض يقوم أحد ممثلي القيادة البارزين بدعوة لتفعيل الرباعية الدولية التي يؤدي الالتزام بشروطها الى ادامة الانقسام. ولا يمكن ان يكون هناك تكليف لحكومة يترأسها سلام فياض يتجدد فيها اعلان الطوارئ كأنه وصفة طبية لمرض مُزْمن.
كاتبة فلسطينية