مشاهد مروعة انتشرت على وسائل التواصل الاجتماعي لإعدام فتاة قاصر في منطقة اليعربية في ريف الحسكة، في استمرار لحوادث ما يعرف بـ «جرائم الشرف، والتي تقع في كثير من الأحيان بعد رفض فتيات قاصرات الزواج بأقاربهن، لتهرب مع شاب تريد الاقتران به من قريتها وهو ما حدث مع الضحية في الفيديو المروع.
وظهر في اللقطات مجموعة من الرجال وبحضور بعض نساء العشيرة في ريف الحسكة، يسحلون فتاة ثم يقيدونها، ثم تبدأ حفلة إعدام جماعي لفتاة قاصر (15) سنة، وسط صرخاتها طلبا للرحمة، وحسب سكان محليين من المنطقة تحدثوا لـ«القدس العربي» فإن أهل الفتاة أرادوا تزويجها لابن عمها، فرفضت وهربت مع شاب من قريتها، لتقع خلافات ومواجهات مع عشيرة الشاب، الذي حمته عشيرته في النهاية، أما الفتاة فكان مصيرها القتل.
وقبل نحو شهرين، كادت أن تقع قصة مشابهة مع فتاة ما زالت هاربة في مدينة الميادين في ريف دير الزور، حيث كانت شابة يتيمة تعيش مع شقيقها الذي أراد تزويجها من صديقه في ميليشيا الدفاع الوطني، وأجبرها على ترك دراستها (في الصف العاشر في المدرسة) وبعد زواجها بأيام قليلة بدأت تتعرض للضرب، لتهرب لبيت شقيقها الذي أعادها بدوره لزوجها، مما اضطرها للهرب من بيت زوجها، وهنا استنفرت عشيرتها للبحث عنها دون العثور عليها، وسط توعد عمها وشقيقها بقتلها!
وترتبط ظاهرة «جرائم الشرف» أو «غسل العار» – كما يعرف في المجتمعات العشائرية – بتفاقم ظاهرة تزويج الفتيات القاصرات بالإكراه، لتضطر الفتاة للهرب أحيانا او الارتباط بعلاقة مع من تحب والهرب معه لاحقا، وإضافة للعادات والتقاليد بما يعرف بـ«الحيار» أو «التجيير» وهو حجر الفتاة لابن عمها، فإن الواقع المعاشي الصعب وظروف الحرب زادت من نمو هذه الظواهر، وتستعرض «القدس العربي» بعض تلك الحالات التي رصدتها من خلال سكان محليين في المناطق الشرقية في سوريا.
الفتيات يدفعن ثمن الفقر وعدم الآمان
فاطمة ابنة (17) عاماً من إحدى بلدات ريف دير الزور الشمالي الخاضع لسيطرة قوات سوريا الديمقراطية، للوهلة الأولى تظن أنها تحمل أخيها الصغير لكنه في الحقيقة ابنها، حيث تزوجت قبل عامين، أي منذ أن كان عمرها (15) عاماً، وهي الآن أمٌ لطفل، ومتزوجة بابن عمها والذي يكبرها بخمسة عشر عاماً، زيجات الأقارب هنا هي الشائعة بالدرجة الأولى بين سكان المنطقة، تتم هذه الزيجات باتفاق بين الأهل، ودون أخذ مشورة الفتاة غالباً، تقول فاطمة لـ«القدس العربي»: «الفتاة التي لا تتزوج مبكراً يُنظر لها بنظرة مغايرة، العنوسه مخيفه للفتيات، لم يعد هناك شباب، الكل هاجر والمتبقون لا يشغلهم سوى الهجرة، البنت عندما تكبر في العمر فإن نصيبها سيكون مُختلفاً، حيث ستحظى غالباً بزيجة من رجل يكبرها، أو تكون زوجة ثانية، غالبا لا يتم رفض المتقدمين إذا كانت أموره المادية لا بأس بها، أعيش مع زوجي، وهو يحترمني جداً، ماذا تريد الفتيات غير الستر والحياة الكريمة، لم أدرس ولم أتعلم القراءة ولا الكتابة، الحرب لم تبق شيئاً، شقيقاتي الأكبر مني سناً درسن ووصلن حتى الإعدادية والثانوية لكن توقفن عندما جاء نصيبهن وتزوجن، أما أنا فلم أحظ بالتعليم، أتمنى لو كنت أعرف الكتابة والقراءة، لن أحرم أطفالي من التعليم سأصرُ على أن يتعلموا حينما يكبرون».
أعداد كبيرة من الفتيات القاصرات يتم تزويجهن من قبل أولياء أمورهن، ولهذا الفعل دوافعه في هذا المجتمع العشائري، كما يقول الناشط الحقوقي قياد علوان، وهو من ديرالزور «إن الواقع الذي فرضته الحرب فاقم من هذه الظاهرة وساهم بانتشارها بشكل كبير، عدم توفر الأمان، والفقر المدقع، والنزوح، كل هذه الأمور تدفع بالأهالي لتزويج بناتهم بهدف الستر عليهن، عدا قضية أن الزواج المبكر في شرق سوريا عموما هو موروث ضارب بالقدم وعرف اجتماعي له جذوره».
وعن تأثيرات الحرب السورية على الوضع الاجتماعي يقول علوان لـ«القدس العربي»: «الأرض في شرق سوريا تخضع لقوى غير مرحب بها من قبل السكان المحليين مثل النظام السوري والميليشيات الأجنبية التي تدعمه وقوات قسد، ويبقى هاجس الخوف من المستقبل عندهم يقظاً دوماً، أغلب الشباب في شرق البلاد هاجروا هربا من الواقع المأساوي في مناطقهم، حيث التجنيد الإجباري والبطالة، بهدف البحث عن مستقبل أفضل لهم، وهناك في دول اللجوء بات أغلبهم دون زواج بسبب الصعوبات التي يواجهونها، فأغلب الشباب في تركيا وحين يستقدمون زوجاتهم تصبح الفتاة أمام طريق واحد فقط، وهو العبور نحو تركيا بطريقة غير شرعية (تهريب) وهنا تذهب أعداد منهن ضحية للمهربين والمحتالين والألغام وغيرها، أتمنى فقط لو كان هناك طريقة لتسهيل دخول النساء لتركيا أو غيرها للعيش مع أزواجهن».
ونبقى في ديرالزور،» الأستاذ علي» وهو اسم وهمي لناشط من ريف ديرالزور الشرقي الخاضع لسيطرة النظام السوري، يروي قصة مؤسفه حصلت في إحدى مناطق ريف المحافظة، حيث يتحدث عن قيام أحد الشباب بتزويج شقيقته عنوة، وهي طالبة في المرحلة الأعدادية، إذ أرغمها على ترك دراستها والزواج بشخص منتسب لميليشيا الدفاع الوطني التابعة للنظام ويكبرها بتسعة عشر عاماً، أما والداها فهما متوفيان وليس لها أحد يرعاها سوى شقيقها، ويتابع روايته «لم تمض سوى أيام قليلة حتى عادت الفتاة لبيت شقيقها، بسبب قيام زوجها بضربها عدة مرات، هنا قام شقيقها بضربها وتعنيفها وردها لبيت زوجها عنوةً، يومان مرا ليعود زوجها لضربها مجدداً، لتقوم الفتاة بالهرب والاختفاء من المنطقة نهائياً وليجن جنون أخوها وأعمامها، كون عملية هروب الفتيات تعتبر جرماً ماسا بكرامة العائلة لا تهاون فيه، مهما كانت الظروف والأسباب، ولا زالوا يبحثون عنها لغسل عارهم، كما قالوا» ويرى علي أنه من الظلم الكبير أن تزوج فتاة صغيرة دون أخذ رأيها، مهما كانت الدوافع، «هنا أغلب الناس يزوجون بناتهم وأغلبهن قاصرات مدفوعين بسبب الفقر والحاجة، وللتخلص من همهن في منطقة باتت أشبه بغابة».
الخيمات: طفل يحمل طفلا!
وفي السياق ذاته، لكن في محافظة الرقة تخبرنا السيدة حسينة عن حالة أخرى من سكان مدينة الرقة، وتقول «توفي زوجي منذ ثلاث سنوات إثر انفجار لغم أرضي به،
وبقيت مسؤولية العائلة على عاتقي، لدي ابن في تركيا وثلاث بنات تزوجت إثنتان منهما، الكبيرة تروجت في عمر (17) عاماً، وبعدها بعامين تزوجت الأصغر منها كذلك عندما وصلت للعمر نفسه تقريباً، البنات كما يقال (البنات همهن للممات) يبقى بالك مشغولاً بهن وقلقاً، خصوصاً أنه لا أمان هنا في سوريا، أتمنى لو تابعن دراستهن، لكن الحياة صعبة وأخاف عليهن من الخطف وغيرها من الأمور التي تحصل أحيانا في الرقة، لذلك مع أول نصيب يأتي لهن نوافق؛ لأن الستر أفضل لها، أنا سيدة وحيدة وقد أكبر في السن ولن أعيش للأبد، مستقبل البنت مع زوجها دوما، العمر لا يقدم ولا يؤخر، أنا تزوجت وعمري (15) عاماً، هذه هي حياتنا وهكذا تعودنا، القضية قضية أمان وحياة كريمة وستر، لولا الله ثم ولدي في تركيا لمتنا جوعاً، فالحياة صعبة جداً اليوم».
وتعتبر المخيمات وخصوصاً العشوائية منها بيئة تكثر فيها حالات زواج القاصرات، ويقول الصحافي زين العابدين العكيدي لـ«القدس العربي» إن المحافظات الشرقية في سوريا تزيد فيها هكذا زيجات، كونها تعتبر موروثا قديما وعرفا لازال العمل به مستمرا، وازداد خلال سنوات الحرب لعدة أسباب، وخصوصا في المخيمات، «مخيم الهول» في الحسكة كمثال، بات تزويج القاصرات فيه أمراً شبه عادي، والأهالي مدفوعون بنفس الأسباب، بداعي (الستر على البنت) حيث يّعجُ المخيم بمناظر الأمهات الصغيرات اللواتي يحملن أطفالهن وكأنه مشهد لـ»طفل يحمل طفلا».
وعلى الرغم من أن مخيم الهول يقع تحت رقابة قوات سوريا الديمقراطية التي تعتبره في قوانينها جريمة تحاسب مُرتكبيها، إلا أن الهول لا تنطبق عليه هكذا قوانين، لذلك فحالات استغلال النساء فيه مستمرة، وكالعادة يعتبر الفقر والحاجة والخوف على البنات هو الدافع الأول للأهل لتزويج بناتهم، رغم صغر أعمارهن.
ويضيف العكيدي «هناك مخيمات عشوائيه في الرقة والحسكة ودير الزور لا أود تسميتها، احتراماً لساكنيها، باتت تلك المخيمات وكأنها ملاذ لكل شخص يود الزواج دون تكاليف باهضة، إحدى الحالات كانت لطفلة عمرها (15) عاما، زوجها والدها لرجل يكبرها بعشرات السنوات، إذا يبلغ من العمر 64 عاماً، وتزوجها كزوجة ثالثة، فتاة أخرى من مخيم آخر، يتيمة الوالدين، لا يتعدى عمرها السادسة عشرة، َزوجها عمها لرجل مختل (عقلياً) عجز أهل الأخير عن ايجاد زوجة له كونه يعاني من مرض نفسي مزمن، لكن وجدوا ضالتهم في أحد المخيمات، بعد أسبوع واحد فقط تطلقت الفتاة الصغيرة بعد اكتشاف أعمامها أن الرجل مختل».