قالت صحيفة “واشنطن بوست” إن المهربين هم المسؤولون عن أزمة الطاقة في لبنان وإن الجيش عاجز عن وقفهم. وفي تقرير أعدته سارة دعدوش ونادر ضرغام من بلدة حوش السيد علي في منطقة الهرمل قالا إن الجيش يقوم بمراقبة عمليات تهريب البنزين من لبنان عبر الحدود إلى سوريا.
وقالا إن سيارتي لاند روفر تابعتين للجيش توقفتا على منحدر مطل على ولاد خلاب حيث قفز الملازم أول نيكولاس الترك من إحدى السيارتين. ويقوم فريقه المكون من عشرة جنود بملاحقة المهربين، بما في ذلك الجسور الحديدية المؤقتة التي تقام على نهر العاصي لتجنب نقاط التفتيش العسكرية. وعثر الجيش على بعض الجسور في الأسابيع الماضية وقام بإغلاقها، ولكنها لم تكن كافية لمنع التجارة غير الشرعية في البنزين التي تتزايد. وزاد الجيش من دورياته قرب الحدود السورية وسط حنق شعبي عام بسبب تهريب الوقود إلى سوريا في وقت يعاني فيه البلد من أزمة وقود حادة لم تمر عليه في تاريخه.
وترافق الانهيار المالي المتسارع مع أزمة وقود حادة. واصطفت السيارات على الشوارع في بيروت وطرابلس للحصول على الكمية المسموح بها من البنزين، أي ثلث خزان السيارة. والانتظار طويل لدرجة أن أصحاب السيارات يطلبون توصيلات طعام إليها. ويصل التوتر مداه وتندلع المشاجرات، حيث حدثت ست حالات إطلاق نار في الأسبوعين الماضيين عند محطات الوقود. واختفت السيارات العمومية والأوبر بسبب سرقة الوقود منها. ولكن المهربين وجدوا طريقة أفضل للحصول على المال وهي شراء الوقود المدعم في لبنان وبيعه بأسعار عالية في سوريا التي تعاني من أزمة وقود خاصة بها.
وعملية التهريب على طول الحدود التي تمتد على 250 ميلا ليست جديدة، حيث يتم التهريب من الطرفين ونقل المخدرات والأسلحة والمواد الغذائية والبشر. ولكن الجهود لوقف تهريب البنزين إلى سوريا ليست ناجحة مثل الجهود السابقة لمنع كل أنواع التهريب الأخرى. وقال الترك إن الحدود غير واضحة وسهلة الاختراق وليست محددة رسميا. وأشار الترك إلى راع يرعى غنمه في الوادي، قائلا هذه سوريا، ثم أشار إلى تضاريس قريبة من حيث كان واقفا وقال إنها أيضا سوريا. ولكن هضبتين تطلان على الوادي وانتشرت عليهما البيوت هي لبنانية مما يعقد من مهمة فريقه.
وقال إن “الحدود بين لبنان وسوريا متداخلة وجغرافيتها صعبة”. وتعرقل الجبال في الشرق والنهر في الغرب عمليات مكافحة التهريب. ويربط معظم الساسة أزمة الوقود بالتهريب مع أنه لا توجد أدلة عن الكميات التي يتم تهريبها. وفي نيسان/إبريل قال وزير الطاقة في حكومة تصريف الأعمال إن التباين في أسعار الوقود بين سوريا ولبنان يعني أن المهربين يحققون أرباحا أعلى في الجارة سوريا. واتهم وزير الخارجية السابق جبران باسيل قوات الأمن والساسة بالتعاون مع شبكات المهربين. وعندما قال البنك المركزي اللبناني الشهر الماضي إن واردات البنزين ارتفعت فعليا بنسبة 10٪ في عام 2021 مقارنة بنفس الفترة من عام 2019، فقد أضاف إلى التكهنات بأن التهريب هو سبب النقص المتزايد الذي يواجه المستهلكين.
ويبدو النقص مريبا بشكل خاص لأن البنك المركزي لاحظ أن النشاط الاقتصادي الكلي – وبالتالي الطلب المتوقع على الوقود – قد انخفض بشكل كبير منذ عام 2019. ووصف البنك الدولي الكساد الاقتصادي اللبناني بأنه من “أكبر عشر وربما ثلاث أزمات عالمية منذ منتصف القرن التاسع عشر”.
ونظرا لنقص الدولار لدى الحكومة اللبنانية فقد انهار سعر الليرة اللبنانية. ومن الناحية الرسمية، فسعر التداول هو 1.507.5 ليرة لبنانية للدولار، لكن السعر في السوق السوداء المتداول الآن هو 17.000 ليرة للدولار. ودعم المصرف المركزي الوقود بشكل كبير، لكنه خفضه يوم الإثنين مما أدى لارتفاع سعر البنزين بنسبة 50%. وكانت زينة حسون، 35 عاما، تنتظر ولخمس ساعات أمام محطة وقود في بيروت حيث زاد إحباطها. وفي الوقت الذي أعلنت فيه الحكومة عن خطط لمعالجة أزمة الوقود من خلال بطاقات الحصص إلا أن حسون اقترحت على الحكومة وقف تهريب البنزين إلى سوريا أولا.
وحمل محمد، 25 عاما وهو عامل في توصيل الطعام وينتظر 4 ساعات لملء خزان دراجته، المسؤولية للمهربين مع أنه تعاطف مع حاجة السوريين للوقود. واستشهد بمثل يقول “طالما كان أخوك مريضا فأنت مريض وطالما كانت سوريا مريضة فلبنان مريض”.
ونبعت أزمة نقص الوقود في سوريا من عدة أزمات منها الحرب الأهلية المستمرة منذ عقد وتدمير بنى الطاقة المحلية والعقوبات الدولية ونقص العملة الأجنبية. ولم تعد حكومة الأسد تسيطر على حقول النفط التي أصبحت خاضعة للقوات الكردية التي تدعمها القوات الأمريكية. وفي دمشق تمتد ساعات الانتظار لست ساعات أو أكثر. وتتنوع المواقف من عمليات تهريب النفط إلى سوريا بالمواقف السياسية، فالمناطق القريبة من الحدود اللبنانية مع سوريا خاضعة لسيطرة حزب الله، الحليف القوي لنظام بشار الأسد.
ويتهم أعداء الحزب بأنه يدير شبكة تهريب قوية. ويقوم الجيش اللبناني الذي حظي بمساعدة 2.5 مليار دولار من الولايات المتحدة بجهود حثيثة لوقف التجارة غير الشرعية وأنشأ أبراج مراقبة وقام بمداهمات للمشتبه بتورطهم في التدريب. لكنه لم يتلق دعما من السوريين على الجانب الآخر من الحدود. ويعاني الجيش نفسه من أزمة حادة حيث فقد راتب الجنود قيمته بسبب انهيار سعر العملة اللبنانية وتوقف الجيش عن تقديم حصص لحم لهم. والمفارقة أن فريق الترك دخل شارعا مهجورا حيث كانت هناك عربة للجيش وأمامها جندي بزيه وهو يحمل إبريقا بلاستيكيا وهو يملأه من خزان العربة، وقفز الجندي من الدهشة وتجمد وجهه. وكان يختلس الوقود لاستخدامه الخاص.