شكلت الضفة الغربية وحرية عمل حركة حماس فيها المحرك الرئيس للمواجهة الأخيرة بين فصائل المقاومة في غزة بقيادة حركة حماس وجيش الإحتلال الإسرائيلي، وذلك على خلاف المواجهات الثلاث التي سبقت هذه المواجهة في سنوات 2008، 2012، 2014، والتي كانت جميعها لأسبابومحركات تتعلق بغزة، لا سيما موضوع حصار غزة، الأمر الذي يبين أن حركة حماس قد تجاوزت مرحلة تمكين وتثبيت الذات في غزة، وبدأت مرحلة التمدد والإنتشار خارج حدود غزة، لا سيما في الضفة الغربية.
وكانت حركة حماس قد وجدت في الإنتخابات العامة التيكان من المفترض أن تجري في مايو/ايار الماضي وفقاًللمرسوم الصادر عن الرئيس عباس فرصة لتحقيق هذه الغاية دون مواجهة أو صدام مع جركة فتح أو سلطاتالإحتلال الإسرائيلي، خاصة إذا ما جرى التوافق على خوض الإنتخابات بقائمة مشتركة مع حركة فتح، الأمر الذي كان مطروحاً على طاولة الحوار بين الحركتين، إلا أن تأجيل أو تعليق إجراء الإنتخابات نتيجة لفشل المجتمع الدولي في إجبار إسرائيل على تسهيل إجراء الإنتخابات بالقدس الشرقية قد عطل تحقيق هذه الغاية وفرض على حركة حماس البحث عن وسائل أخرى لتحقيقها.
ويبدو هنا أن المواجهة المحتدمة بين الفلسطينيين وحكومة الإحتلال وقطعان مستوطنيه في أحياء القدس وبواباتها وباحات المسجد الأقصى قد وفرت الفرصة الأفضل لحركة حماس لتطوير الوسيلة البديلة من خلال المبادرة لمعركة سيف القدس التي رفع حُسن أداء كتائب القسام فيها من أسهم حركة حماس لدى الغالبية العظمى من الجمهور الفلسطيني فضلاً عن أنه قدم الحركة كونها المدافع عن الحق الفلسطيني في القدس وضواحيها ومقدساتها.
تجدر الإشارة هنا أن حماس كانت قد بنت إستراتيجيتها للتمدد والإنتشار قبل معركة سيف القدس على ركيزة أساسية مفادها أن مصلحة حماس تكمن في عدم السماح بإستبدال فتح وقيادتها في المرحلة الحالية، وذلك تأسيساً على حقيقة مفادها أن فتح بكل ما على سلوكها من ملاحظات نتيجة إنخراطها في التسوية السياسية، إلا أن البديل عنها سيفرط حتماً بالحقوق الفلسطينية اصالح التطبيع العربي الإسرائيلي، وعلاوة على ذلك ستكون حربه المقدسة على حماس وأطراف المقاومة الفلسطينية، لا سيما وأن رئيس حركة فتح الرئيس أبو مازن قد فقد ثقته بالمنظومة العربية التي تهرول بلا ضوابط نحو التطبيع على حساب الفلسطينيين ويرفض الإستسلام للرواية الصهيونية في فلسطين كما تجلت في صفقة القرن، وذلك وفقا لأقوال السيد صالح العاروري نائب رئيس المكتب السياسي لحركة حماس في التسجيل الصوتي له الذي كان قد سرب في التاسع من أكتوبر العام 2020.
وفيما جادل البعض من المراقبين الفلسطينيين ضد أقوال العاروري التي لاقت كثير من إستحسان الفلسطينيين هذه في حينه، إستنادا للتناقض الذي إنطوى عليه سلوك حماس خاصة في غزة في فترة التحضير للإنتخابات العامة نتيجة لإحتضانها بعض التيارات الفلسطينية الممولة والمعومة من أطراف التطبيع العربي مع إسرائيل، علاوة على عدم إخفائها سعيها لإستبدال فتح التي تقاطعت مصالحها مع مصلحة حركة حماس وفقاً لأقوال العاروري المشار اليها سابقاً، إلا أن خطاب حماس نحو حركة فتح ذاتها في مرحلة ما بعد معركة سيف القدس ينطوي على كثير من التناقض، لا سيما وأن الحديث يدور عن فتح وقيادتها التي لا زالت ترفض الإستبدال والخنوع والإستسلام للرؤية الصهيونية في فلسطين.
صحيح أنه كان لفتح الدور الرئيس في قرار تعليق وتأجيل إجراء الإنتخابات، الأمر الذي إحتج عليه الكثير من الفلسطينيين لأسباب مشروعة، لكن فاقد البصيرة من حاول أو يحاول إظهار هذا القرار وكأنه بداية لمسلسل خنوع وإستسلام فتح للضغوط الجمة التي تتعرض لها، الأمر الذي يفرض على من نأمل أن تكون حكمتهم من أصحاب الراي في حركة حماس قد نمت بمقدار نمو قدرتها العسكرية على تصويب خطابها وتوضيح ما ينطوي عليه من تناقضات في خطابها نحو فتح خاصة في ما يتعلق بالخطأ القاتل المحيط بموت الناشط بنات أثناء محاولة إعتقاله.
ومقابل ذلك تفرض اللحظة وما تنطوي عليه من تحديات وتهديدات للكل الفلسطيني على أصحاب الرأي في حركة فتح التصدي لهذه التحديات وتقديم الرأي والنصيحة لأولي الأمر بالمسارعة في تصحيح المسار وضبط السلوك الميداني لكل أجهزة السلطة التنفيذية بميزان من ذهب دون مجاملة أو إدعاء أو نفاق.