معاريف - بقلم: تل ليف رام "إن عدد القتلى المتدني نسبياً في صفوف حماس جراء حملة “حارس الأسوار”، بمعنى أن بند الفتك الذي وضعه الجيش الإسرائيلي كشرط للإنجاز في مواجهة عسكرية مع حماس، لم يجد تعبيره في الحملة الأخيرة، ويشرح صعوبة الوصول إلى تسوية في المحادثات التي تجرى مع حماس بوساطة مصرية.
مع انتهاء المعارك، وضعت إسرائيل مستوى عالياً من الشروط تجاه حماس، في ضوء ما يراه الجيش الإسرائيلي كانتصار واضح في الحملة الأخيرة. بالمقابل، يصف المصريون واقعاً آخر تماماً. إن يحيى السنوار، زعيم حماس في غزة، يتجول بغرور، كأنه انتصر على إسرائيل بسبب قوة صموده والربط الذي نشأ بين حماس والقدس والشعبية العالية التي حظى بها في أعقاب الحملة في شوارع غزة، مثلما في الضفة أيضاً.
في مداولات “الكابينت” الأخيرة، وصف مسؤولو الجيش الإسرائيلي أزمة حقيقية في العلاقات بين السنوار وقائد الذراع العسكري لحماس محمد الضيف، الذي يسعى إلى اتخاذ خط أكثر اعتدالاً يؤدي إلى تسوية وليس إلى تصعيد آخر. خط السنوار في هذه المرحلة هو الخط السائد، والأسبوع القادم سيقرر بشكل أوضح ما إذا كان الاتجاه نحو تصعيد آخر وليس إلى تسوية. حتى الآن، فشلت مساعي الوساطة المصرية، لأن الطرفين يتمترسان في أعماق مواقفهما، وكلٌّ واثق بانتصاره ويرغب في أن يجد هذا تعبيره في إنجاز سياسي واضح.
إن اختراقاً بقيادة مصرية يبدو بعيداً عن العيان الآن، إلا إذا تخلت إسرائيل عن الخطوط والشروط التي وضعتها في نهاية الحملة: بدء إعمار غزة بعد حل مسألة الأسرى والمفقودين؛ وتغيير آلية إدخال أموال المساعدة من قطر ودول أخرى عبر دفعات ومن خلال السلطة الفلسطينية، والرقابة على إدخال البضائع وغيرها من الشروط.
فجوة المفاهيم بالطريقة التي يرى فيها كل طرف نتائج الحملة الأخيرة واسعة جداً، وهنا أيضاً عقدة إسرائيل وحماس على حد سواء. فكل تنازل أو مرونة في الشروط قد يعتبر هزيمة ويؤدي إلى انتقاد جماهيري. هدوء الأيام الأخيرة مضلل، وكلما مر الوقت بدون توافقات تزداد الاحتمالات لمواجهة أخرى في القطاع.
خطأ في العدد
بعد شهر من انتهاء الحملة، من الأهمية بمكان أن نتوقف عند الوثيقة التي وضعها ونشرها مركز معلومات الاستخبارات والإرهاب هذا الأسبوع، الذي يحمل اسمه اللواء مئير عميت. يفحص التقرير وبعمق معطيات القتلى في قطاع غزة أثناء الحملة. هذه وثيقة معلوماتية وأساسية، وإن كانت تمتنع عن استخلاص الاستنتاجات والنقد، ولكن الصورة التي تنشأ عنها واضحة: القتلى الذين يمكن الإشارة إليهم بشكل مؤكد لحماس ومنظمات الإرهاب الأخرى في القطاع أدنى بكثير مما قدر الجيش الإسرائيلي في نهاية الحملة، وبالتأكيد عن التوقعات قبل الانطلاق إليها.
ومع أن مركز المعلومات يشير إلى إمكانية وجود قتلى آخرين لم يشخصوا بعد أو لم ينشلوا من تحت الأنقاض، ولكن بات الافتراض بأن الصورة العامة لن تكون مختلفة جوهرياً بعد شهر من انتهاء الحملة، حتى لو كان هناك مخربون آخرون ولم ينشر أمر مقتلهم.
وحسب المنشور، فإن 234 فلسطينياً قتلوا في أثناء “حارس الأسوار”. وحسب المعطيات التي جمعها مركز المعلومات من مصادر مختلفة، فإن ما لا يقل عن 112 منهم كانوا نشطاء في منظمات الإرهاب. في نهاية الحملة، قدر الجيش بأن عدد نشطاء الإرهاب الذين قتلوا في أثنائها أعلى من 200.
نسبة القتلى بين نشطاء الإرهاب والمدنيين في القطاع تقف عند نحو 1:1، أي مقابل كل قتيل مدني مقتل ناشط إرهاب. وهذه نسبة مشابهة لتلك الحملات الأخرى في قطاع غزة، التي نفذت من الجو، وتعتبر جيدة مقارنة بجيوش أخرى في العالم تقاتل ضد منظمات إرهابية تعمل في ظل استغلال السكان كدرع بشري.
في الحرب بالطبع كل شيء نسبي، وبين القتلى أيضاً 52 طفلاً و 38 امرأة. نحو 40 من القتلى المدنيين أنهوا حياتهم نتيجة لانهيار مبنيين في أثناء الحملة بعد أن هاجم سلاح الجو أنفاقاً أدى المس بها إلى انهيار المباني داخل الأرض، وليس كنتيجة لإصابة الصواريخ للمباني. وثمة معطى مهم آخر يشير إلى أن 21 شخصاً بينهم على ما يبدو 13 مديناً أيضاً قتلوا جراء إطلاق فاشل لصواريخ سقطت في أراضي القطاع أو تفجرت في زمن إطلاقها. من أصل 4.360 صاروخاً أطلقت نحو إسرائيل في أثناء الحملة، منها 680 سقطت في أراضي القطاع، والجيش الإسرائيلي بالمقابل هاجم نحو 1.500 هدف، ومنظومات الدفاع اعترضت نحو 2.000 صاروخ.
قتل في إسرائيل في أثناء الحملة 12 شخصاً، منهم 8 مدنيين وبينهم طفلان. 3 مواطنين أجانب وجندي قتل بإصابة صاروخ مضاد للدروع. ومن بين نشطاء الإرهاب الذين قتلوا في الحملة، حسب التقرير، 63 فقط معروفون كنشطاء حماس، 25 نشطاء فتح، 20 نشطاء الجهاد الإسلامي، 2 من نشطاء الجبهة الشعبية وآخران لمنظمات إرهاب أخرى.
التعمق في بحث المعطيات في التقرير يظهر صورة مذهلة أكثر. 37 من نشطاء حماس من أصل 63، قتلوا في الأيام الأولى من القتال، حتى قبل تفعيل خطة الخداع ومهاجمة شبكة الأنفاق في الليلة التي بين 13 و 14 أيار. عملياً، بعد هجوم الميترو، فإن عدد قتلى حماس بالمتوسط اليومي انخفض كلما استمرت الحملة. حتى نهاية الحملة على الأقل حسب المعطيات في هذه اللحظة، قتل 26 آخرون فقط، أي أقل مما قتل لحماس في يومين ونصف من بداية المعركة.
التوازن والتواضع
من ناحية الجيش الإسرائيلي، كانت حماس هي الهدف المركزي في الحملة الأخيرة، ووجهت إليها معظم المقدرات. واستهدفت الحملة المس بقدرات منظمة الإرهاب، ومواقع الإنتاج، والمعامل والمنشآت العسكرية الهامة وبالتوازي نزع قدراتها الهجومية في البحر والجو والبر وفي الأنفاق. إلى جانب ذلك، فإن أثر الفتك في مس واسع بنشطاء حماس وكبار مسؤوليها، شكل هدفاً مركزياً آخر.
حسب آخر معطيات التقرير، فإن هذا المفهوم لن يجد تعبيره في النتائج على الأرض، والمسألة التي تطرح السؤال إذا كان ممكناً تحقيق هدف كهذا دون تفعيل قوات برية. مهما يكن من أمر، فإن مقابل الأهداف التي قررها الجيش الإسرائيلي بنفسه، لا يمكن الإمساك بالحبل من طرفيه والتعاطي مع “حارس الأسوار” كحملة ناجحة بشكل استثنائي عندما يكون واضحاً بأن فجوة كبيرة كانت في هذا المعطى.
لقد حقق الجيش الإسرائيلي في الحملة الأخيرة إنجازات مهمة لا ينبغي الاستخفاف بها بالمس بقدرات حماس. وتعبر الإنجازات جيداً عن تقدم عملياتي، تكنولوجي واستخباري. كما أن المس بشبكة الأنفاق له تأثير في المستقبل على الميدان القتالي مع حماس. ولكن إلى جانب ذلك، فالجيش الإسرائيلي هو الذي وضع بند الفتك كشرط لانتصار واضح، حتى في معارك محدودة ليست ضمن مهمة هزيمة العدو. لم يستوفِ الجيش الإسرائيلي هذا الهدف، ويجب أن نقول هذا بشكل واضح كي نستخلص الدروس المناسبة والتعاطي مع إنجازات الحملة الأخيرة بالتوازن والتواضع الصحيحين.
هذه الفجوة، إلى جانب المس المحدود وغير الكافي لقدرات حماس الصاروخية، وإلى جانب إنجازات بالوعي مبالغ فيها من الجهة الأخرى والتي يعزوها السنوار لنفسه في الحملة الأخيرة، هي التي توجد في أساس عدم القدرة على التقدم في مفاوضات القاهرة، التي لا تؤدي في هذه الأثناء إلى أي مكان، وربما أساساً إلى المواجهة التالية.