نشرت صحيفة “الغارديان” مقالا لدانييلا بيليد، مديرة التحرير في معهد تغطية الحرب والسلام، قالت فيه إن رحيل بنيامين نتنياهو لن يغير شيئا من مسار السياسة الإسرائيلية، مشيرة إلى أن أعضاء الائتلاف الذي سيحل محله ليسوا مهتمين بحل القضية الفلسطينية. وسيكون مثيرا للاهتمام التفكير بأن الاضطرابات الهائلة في إسرائيل والإطاحة بنتنياهو كانت تعبر عن تحول زلزالي في الخريطة السياسية في إسرائيل، وربما كانت نقطة تحول لوقف تراجع الديمقراطية، بل وتحركا نحو إنهاء حكمها لملايين الفلسطينيين.
ولسوء الحظ فما حدث لا يشير إلى أي شيء من هذا القبيل. فالرغبة الشديدة للإطاحة بأطول رئيس وزراء هو الدافع وراء التحالف المتنافر المكون من 8 أحزاب على أمل استبداله. وهناك عامل آخر يوحدهم وهو أن النزاع مع الفلسطينيين يمكن إدارته بشكل دائم.
ودافع نتنياهو أكثر من أي رئيس وزراء في إسرائيل عن هذه الفكرة، وعززها في الوعي القومي، مما يجعلها إرثا دائما له. وهي إشارة عن وضعية الفلسطينيين الغائبين في السياسة الإسرائيلية، ولم يؤد ضم حزب عربي في الائتلاف إلى وضعهم على الأجندة. فالحزب الإسلامي (راعم) يحاول استخدام أربعة مقاعد حصل عليها من أجل الحصول على مكاسب ضيقة لناخبيه، ومثل غيره من المشاركين فقد وافق على عدم التورط في الموضوع الفلسطيني لتجنب الخلافات. وقالت بيليد إن موضوع الاحتلال للضفة الغربية وقطاع غزة ظل يلعب دورا محوريا في السياسة الإسرائيلية والنقاش الوطني حول اتجاه المشروع الصهيوني. وظل عدد من قادة إسرائيل حتى بعد فشل اتفاقيات أوسلو ملتزمين ولو نظريا بحل الدولتين. لكن نتنياهو مضى في طريق مختلف، فقد أخبر الإسرائيليين أن فكرة احتلال ملايين الفلسطينيين الرافضين يمكن التحكم بها كتهديد غير مريح وليس كتهديد وجودي.
ولم يؤد الربيع العربي والحرب الأهلية السورية فقط لحرف الانتباه العالمي عن النزاع الإسرائيلي- الفلسطيني بل وأعطى لأطروحة نتنياهو ذريعة وهي أن الوقت ليس مناسبا للتفكير بدويلة فلسطينية.
ووسط التحذيرات المروعة من أن سياسات إسرائيل ستجعلها منبوذة في الغرب، قام نتنياهو بالبحث عن علاقات اقتصادية ودبلوماسية مع شركاء يصعب إرضاؤهم في آسيا وأفريقيا ودول أوروبا الشرقية. ولأن الحياة كانت جيدة، ومهما شجب الليبراليون الأوروبيون سجل إسرائيل في حقوق الإنسان إلا أن الاقتصاد واصل الازدهار وحصلت المغنية الإسرائيلية نيتا على جائزة الأغنية الأوروبية عام 2018 وكانت إسرائيل الأنجح عالميا في مواجهة فيروس كورونا.
وبدا وكأن رؤية نتنياهو تحققت من خلال العناق الدافئ له مع دونالد ترامب وما تبع ذلك من نقل السفارة إلى القدس واعترافه بسيادة إسرائيل على الجولان ومعاهدات التطبيع مع دول عربية.
وفي وسط هذا النجاح الوطني فلم يكن صعبا تسويق هذا السرد للناخبين، وهو أن النزاع الإسرائيلي- الفلسطيني مستعص على الحل وأن الفلسطينيين هم المتعنتون، ومن المهم هنا ليس حل النزاع بل وإدارته وتقليصه. وهذه الرؤية ليست مختلفة عن يائير لابيد، رئيس أكبر كتلة في الائتلاف، ومن المتوقع أن يصبح رئيس وزراء عام 2023، هذا لو استمر الائتلاف.
ويمثل لابيد قطاعا من الوسط والعلمانيين الذين يطالبون بالاعتراف بالزواج المدني ودعم العناية للأطفال وتسيير الحافلات في الأعياد اليهودية أكثر مما يطالبون بمواجهة احتلال لا يترك إلا أثرا قليلا على حياتهم.
وبالنسبة لنفتالي بينيت، المرشح لأن يكون رئيس الوزراء المقبل، وكان مرة مقربا من نتنياهو، فقد عمل أكثر من أي شخص آخر لإعادة تشكيل مشروع الاستيطان داخل إسرائيل. وحول حزبا دينيا صهيونيا من مجموعة من المتحمسين الذين يحتلون التلال إلى حزب يزعم بأنه جامع لكل اليهود بمن فيهم بينيت، رجل الأعمال وابن المدينة.
وبات النقاش حول طبيعة الاستيطان واحتلال المناطق الفلسطينية مقبولا لدى قطاع واسع من الإسرائيليين عندما تم تصويره بأنه عملية أمنية وليس تعبيرا عن تعصب ديني. وترى الكاتبة أن وجود بعض الصهاينة اليساريين في الائتلاف والمتهالكين على فرصة لإثبات أهميتهم السياسية لن يحيي الموضوع الفلسطيني. فحزب ميريتس ليس لديه ما هو جديد سوى التمسك بفكرة حل الدولتين من أجل إثبات أن إسرائيل يمكن أن تكون يهودية وديمقراطية في نفس الوقت. لكن سنوات نتنياهو أثبتت وهم هذا التفكير. فقد تم تفضيل الطابع اليهودي للدولة على حساب الطابع الديمقراطي وبهجوم متواصل على القضاء والإعلام. وليس لدى التحالف الذي تجمع للإطاحة به أي نية لإلغاء هذه السياسات ووقف التدهور الديمقراطي.
وطالما اختار نتنياهو المرجعية الصهيونية القديمة التي أدت لولادة الدولة عبر الحرب والصراع. وكان السلاح السري فيها هو “لا خيار”، وفي ظل نتنياهو لم يكن هناك أي خيار غيره ولا خيار إلا الحفاظ على الوضع القائم، ومن هنا فالخيارات التي ستأتي بعده لن تغير إلا القليل.