تجربتان في التطبيع.. كنت شاهدا على احدهما..علي محسن حميد

الأربعاء 02 يونيو 2021 05:14 م / بتوقيت القدس +2GMT
تجربتان في التطبيع.. كنت شاهدا على احدهما..علي محسن حميد



مكنت اتفاقية اوسلو،سبتمبر 1991 ، وعد بلفور الثالث، (الثاني كان القرار 242 بحسب جوزيف سيسكو وكيل الخارجية الامريكية لإسحاق رابين في واشنطن) إسرائيل من كسر أطواق عزلتها الدولية العديدة واستئناف علاقاتها الدبلوماسية مع عشرات الدول وإنشاء علاقات دبلوماسية جديدة مع عدد آخر. اوسلو لم تكسر عزلة إسرائيل بل أدت إلى إلغاء المقاطعة العربية وإلغاء قرار الأمم المتحدة رقم 3379 الصادر عام 1975 بمساواة الصهيونية بالعنصرية .ذلك القراركان ولايزال حتى اليوم  سليما مائة في المائة لأن إسرائيل نشأت منذ البداية نشأة عنصرية خلال مرحلة الاستيطان وقبل وبعد وعد بلفورعام 1917.كانت الحركة الصهيونية ترفض خلال الانتداب البريطاني 1922 – 1948 الديمقراطية لأنها ستؤدي إلى حكم الأغلبية العربية وترفض مساواة العرب باليهود وتتعامل مع الفلسطينيين أصحاب الأرض باستعلاء  عنصري فاضح وكانت تدفع للعمال الفلسطينيين أجورا تقل عن تلك التي كان يتقاضاها المستعمرون الاشكناز واليهود اليمنيين وبررت الحركة الصهيونية تلك العنصرية بأن حاجات الفلسطينيين تقل عن حاجات اليهودي الذي لايمكن أن يعيش بنصف رغيف و يحتاج صابون لأنه لايكتفي بتبليل جسمه بالماء وجريدة ومعجون أسنان وقد استشاط بن جوريون غضبا عندما علم بأن مستوطنة الروميمة لم تبن من قبل اليهود والصهاينة بوجه أخص. وسياسيا كان الصهاينة يرون في نظام تركيا نظاما ينتمي إلى ثقافة أدنى أما الثقافة العربية فبدائية وينقصها الانسجام وحتى من حصل من العرب على أثر من الثقافة الاوربية فكان لا يزال  في رأيهم مليئا بالوحشية والقذارة .مورس هذا في عهد الحكم العسكري للورد اللنبي – الفاتح –  عام 1917ثم في عهد الانتداب البريطاني ابتداء من عام 1922 وبعلم دولة الوعد – الانتداب.أما بعد إعلان الكيان العنصري عام 1948 فكانت الممارسات ضد الفلسطينيين متعارضة مع ماسمي ب”وثيقة الاستقلال” التي نصت على المساواة التامة  بين مواطني الكيان الغاصب بغض النظرعن جنسهم ولونهم وديانتهم وعرقهم وعلى احترام قرارات الأمم المتحدة.وقد يذهل القارئ أن أول مصطلح ابارتهايد استخدم في فلسطين خلال الانتداب عند مناقشة الفوارق في الأجور بين العمالة اليهودية ، الاشكنازية، وبين اليهود اليمنيين وبين الفلسطينيين وسمي وقتها من قبل الصهيوني نورمان بنتوتش Norman  Bentwitch ب”الابارتهايد الاقتصادي”. كل هذا السخام  الذي يعتبر جزء لايتجزء من تاريخ الحركة الصهيونية الأسود أزاله مجانا تقريبا اتفاق اوسلوالذي لم تمتن له  وتنكرت له دولة الاستيطان العنصرية.
التطبيع الهندي بعد اوسلو: اعتبره أصدقاء فلسطين انقلابا في السياسة الهندية وقد تمت مقاومته علنا من قبل عناصر قيادية في حزب المؤتمر الحاكم وقتها وكان من أبرز المعارضين النائب والسفير السابق في العراق ماني شنكر أيار الذي قال بأن دولة اليهود الطبيعية هي نيويورك وليس فلسطين وذكّر حكومة حزبه التي تخلت عن سياسة  راسخة في تأييد قضية فلسطين  بمقولة المهاتما غاندي “إن فلسطين للفلسطينيين كما أن بريطانيا للبريطانيين وفرنسا للفرنسيين”. هذه العبارة الخالدة قالها المهاتما لحاييم وايزمان وجها لوجه وعندما خاب أمل وايزمان في تأييد غاندي لأهداف الحركة الصهيونية  الاستيطانية قال لغاندي إذالم تؤيدنا فلن نؤيد حقكم في الاستقلال.راجيف غاندي كان آخر رئيس وزراء هندي التزم بالموقف الهندي من فلسطين  ولو لم يغتال في مايو عام 1991 لما حدث التطبيع بتلك الميوعة وهو الذي قال في دمشق أن حريتنا ستبقى ناقصة إذا لم يحصل الشعب الفلسطينين على حريته.أما إسرائيل فلم تكن تعبأ بالمعارضة الهندية طالما أن معها سلطة ضعيفة قبلت التطبيع. بدأت سفارة الكيان في نيودلهي التي كانت مكونة فقط من إحدى عشر دبلوماسيا في تغيير القناعات بنشاط  دؤوب في كل اتجاه وفي كل مكان  وبميزانية مفتوحة ونظمت رحلات مجانية إلى إسرائيل  واستضافت ببذخ ألاف الهنود من مختلف الأوساط والطبقات والديانات وكانت  تُخيّر بعضهم  بعودة مدفوعة التكاليف إلى نيودلهي عن طريق لندن وكان الكل يعود شاكرا وممنونا وأحيانا مبهورا وخاصة بتجربة الزراعة بالتقطير وظن بعضهم أن الجنة المفقودة ستقدمها لهم إسرائيل. ولم تترك سفارة الكيان المدارس والجامعات  والصحافة فكانت ترسل من يحاضر ليقنع الأطفال والكبار بالمطبوعات والمسرحيات بحق اليهود في استعمار فلسطين وطن الأجداد. وأنشأت  في نيودلهي مركزا ثقافيا  يضم مكتبة  وصالة عرض سينمائية كانت تلقى فيه المحاضرات وتعرض الأفلام وكان خلية نحل.بينما عجز السفراء العرب (دولهم بالأصح) عن إنشاء مثله لأن حكوماتهم كلها لم ترد على طلب من مجلس السفراء العرب بالمساهمة في إنشاء مركز ثقافي عربي تكلفته وقتها أقل مليون دولار فقط. واستخدمت إسرائيل السينما والحفلات والهدايا الكحولية لتغيير المواقف ونجحت. أما عن الحكومة الهندية فبذكاء لم يلحظه أحد وقتها فقد استدرجت  الرئيس  الراحل عرفات وأمين عام الجامعة العربية الراحل د. عصمت عبد المجيد لزيارة نيودلهي بعيد إقامة العلاقات مع إسرائيل وكلاهما كانا عاجزا عن إبداء أي ملاحظة سلبية لمن يسألهما عن التطبيع الهندي والسياسة الهندية الجديدة لأن اوسلو قد شرعنتها. أما عن المقاطعة العربية فقد كلفتني الجامعة العربية بالذهاب إلى بومبي لإغلاق مكتب المقاطعة العربية وإرسال وثائق المكتب إلى مقرها.وسارت العلاقات الهندية – الإسرائيلية في طريق ممهد في ظل استسلام عربي للأمر الواقع  وأحوال يملك فيها البلدين مايمكنه تقديمه إلى الآخر في المجال البحثي والتقني والعسكري والأمني وأصبح التعاون الأمني علنيا بعد أن كان سريا وارتفعت أصوات كانت خافتة لليمين الديني الهندوسي الطائفي معادية لفلسطين وللعرب وللإسلام ولصالح إسرائيل وتمتين العلاقات معها.
التطبيع مع الإمارات: ليس له من تفسير سوى أن جيلا جديدا يحكم الإمارات اليوم توفى ضميره الفلسطيني ويتطلع لأن يحذو حذو إسرائيل في التوسع( اليمن) وأن يكون قريبا من حليف إسرائيل الامريكي ومن مخططاته في المنطقة التي تصب في صالح الصديقين الجديدين وأن تحميه امريكا عندما يحين الوقت لمساءلته أو مقاضاته عن ارتكابه لجرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية في اليمن ومطالبته بالتعويض والاعتذار.ومقارنة بالتطبيع مع الهند فقد رافق التطبيع الإماراتي حالة من الزهو والنشوة  بل والافتخاربقيام علاقات مع محتل يشاهد الإماراتي يوميا مقاومة الفلسطينيين له وقمعه وقتله اليومي لهم وقد سمعنا ضاحي خلفان وهو يتباهى بتطبيع بلاده الشعبي  وليس الرسمي وحده مع دولة الاحتلال ومن طرف خفي انتقد مصر لتطبيعها البارد معها وقد قال كمتجاهل للتاريخ أن إسرائيل هي وطن لليهود وأن اليهود في وطنهم.كل هذا السَفه يمكن التعامل معه كسَفه فردي زائل حتما وقيل من باب الولاء لولي الأمرولكن أن نرى أطفالا إماراتيين يلوحون بأعلام دولة الاغتصاب ويضعون علمها على صدورهم فهنا الطامة الكبرى لأن هذا مؤشر مفزع لتحول جيل من ثقافة عربية إلى ثقافة عبرية ستحتلهم وستحل محل وعيهم العروبي – الإسلامي.الهند طبعت صمتا ولكن الشقيقة اعتبرت تطبيعها من الأعياد وهاهي تحتفل بالهولوكوست ويُعمّد سفيرها في تل أبيب من كبير الخامات الذي يرعى الاستيطان والتمييز والتطرف والتوسع الاستيطاني والقتل ويحصل على بركته وهو ما لم يعمله حتى سفراء الغرب الذين جل مايعملوه  هو وضع القلنسوة اليهودية (الكيباه) على رؤوسهم عند زيارتهم لمُتحف المحرقة بالقدس الغربية المحتلة وبينما لم تعترض الهند على معارضي  التطبيع نجد أن الإمارات لاتسمح بسماع رأي يخالف ماتراه ومن يختلف معها صامت بل خائف وربما لايجرؤ على التعبير عن رأيه حتى همسا مع الغير وأخيرا لم يتحرك قلب الإمارات الرهيف إلا نحو يهود هربتهم  من صنعاء إلى مدينة مأرب  ومن الأخيرة جوا إلى أبوظبي في انتهاك متعمد للسيادة اليمنية المتعددة الانتهاكات لتجمع يمنيين شمل عائلتهم الموزعة بين اليمن وبريطانيا وخصصت للأسرة  في أبو ظبي ثلاثة بيوت متجاورة وسيارات وسائقين ومرتبات كضيوف مدى الحياة. رحم الله الشيخ زايد الذي يفتقده الفلسطيني وكل العرب.
خاتمة شعرية للشاعر الفلسطيني أحمد دحبور بعنوان جنة شلومو:
ستدخل الجنة ياشلومو…بخوذة جعلتها “كيباه”… ستدخل الجنة ياشلومو…بمخزن أفرغته في بسمة الفتاة…ستدخل الجنة ياشلومو…بأمر القائد العسكري الذي فوضه الإله… قتلت من قتلت ياشلومو …أرضيت رب الجند ياشلومو…والآن فالتذهب إلى الصلاة .
سفير الجامعة العربية في الهند 1991 -1995