استحقاقات ما بعد الحرب..محمد ياغي

الجمعة 28 مايو 2021 04:24 م / بتوقيت القدس +2GMT



هنالك ثلاث حقائق أكدتها الحرب الفلسطينية - الإسرائيلية الأخيرة:
أولاً، أن المقاومة بكل أشكالها هي العنوان الوحيد الذي يحظى بإجماع شعبي فلسطيني وعربي.
ثانياً، أن المقاومة وحدها من يمكنه أن يضع قضيتنا على أجندة جميع دول العالم بما فيها دولة الاحتلال، والولايات المتحدة ودول أوروبا الغربية.
ثالثاً، أن المقاومة هي الطريق الأقصر رغم كلفته العالية لاستعادة حقوق شعبنا.
تجاهل هذه الحقائق أو إكثار الجدل العقيم بشأنها يؤدي إلى العديد من الكوارث، لعل أهمها تمكين الاحتلال من أرضنا مثلما حصل بعد اتفاق أوسلو حيث تمت مضاعفة المستوطنات أربع مرات تقريبا.
الإبقاء على حالة الانقسام الحالي بما يضعف الموقف الفلسطيني إقليميا ودوليا.
ديمومة الوضع الحالي حيث الحصار على غزة والتجاهل لرام الله، وكل ذلك في المحصلة يؤدي فقط إلى ضياع تضحيات شعبنا وإلى زيادة معاناته.
لدينا ثقة بأن وضع الفلسطينيين الحالي لا يمكن له أن يستمر، لأن الحرب الأخيرة أوجدت معادلات جديدة لن يستطيع أحد تجاهلها مهما حاول.
اليوم مصير القدس العربية المحتلة لا تستطيع أن تقرره إسرائيل، ولا إدارة أميركية حليفة لإسرائيل مثل إدارة ترامب، ولا إدارة أميركية أقل تحالفا مع إسرائيل مثل إدارة بايدن، ولا تقرره أيضا مفاوضات المقاومة ليست طرفا فيها.
واليوم لا توجد جهة فلسطينية قادرة على تقرير مستقبل الشعب الفلسطيني وحدها في أي مفاوضات (إن حدثت وهذا مستبعد جداً)، حتى لو فعلت ذلك باسم منظمة التحرير الفلسطينية.
إذا أدركنا هذه الحقائق وقبلنا بها، فإن هنالك استحقاقات مطلوبة منا جميعا، بعد الحرب الأخيرة، علينا أن نتعامل معها بمسؤولية عالية خدمة لشعبنا وقضيته العادلة.
أولا، آن الأوان لإعادة بناء منظمة التحرير الفلسطينية.
إذا أردنا حقا أن تكون منظمة التحرير هي الممثل الشرعي الوحيد للشعب الفلسطيني، والجسم الذي يمكنه تنظيم نضال الشعب الفلسطيني في كل مكان والحديث باسمه في كل المحافل السياسية الإقليمية والدولية.
وإذا أردنا لها أيضا أن تكون الجهة التي تقرر مستقبل الصراع مع إسرائيل، فإن هذه المنظمة لا يمكنها الادعاء اليوم بأنها تمثل المجموع الفلسطيني إذا لم تكن جميع فصائل المقاومة جزءا أساسيا منها وموجودة في جميع هيئاتها.
نسبة تمثيل هذه الفصائل المقاومة كانت دائما هي العقبة التي تمنع وجودها في المنظمة. الأصل أن يتناسب حجم تمثيلها مع حضورها في الشارع الفلسطيني، لكن إذا كان قياس ذلك صعبا بسبب الواقع الفلسطيني، فيمكن الاتفاق على أن قرارات منظمة التحرير الاستراتيجية تؤخذ فقط بالتوافق أو على الأقل بإجماع الفصائل الكبيرة التي لها حضور ووزن في الشارع الفلسطيني لا يمكن تجاهله.
ثانيا، إعادة بناء منظمة التحرير يجب أن يترافق مع إعادة الاعتبار لها.
اليوم منظمة التحرير هي أحد أذرع السلطة الوطنية في حين أن الأصل هو أن تكون السلطة هي أحد أذرع المنظمة. هذا يعني أن كل الملف السياسي بما فيه مؤسسات مثل وزارة الخارجية يجب أن تنقل من السلطة إلى المنظمة.
هذا يترتب عليه أيضا تحويل السلطة إلى جهاز لتنظيم حياة الناس اليومية: التعليم، الصحة، ضمان وصول الماء والكهرباء للناس، مكافحة الجريمة، جباية الضرائب لاستمرار عمل مؤسسات السلطة...إلى آخره من القضايا التي يحتاجها أي تجمع بشري.
بشكل مختصر، المطلوب إعادة الملف السياسي لمنظمة التحرير وتحويل السلطة إلى بلدية كبيرة تهتم بتعزيز صمود الناس على أرضهم وتنظيم حياتهم.
بالقطع هذا أيضا يعني إنهاء علاقات السلطة الأمنية مع إسرائيل وربط ذلك بالتسوية النهائية لهذا الصراع الممتد منذ مائة عام، وهذا ينقلنا للاستحقاق الثالث.  
ثالثا، يترتب على إعادة بناء منظمة التحرير وإعادة الاعتبار لها الاتفاق على برنامج سياسي جامع. الخطاب السياسي الحالي لا يفيد قضيتنا.
هنالك من يتحدث عن حل الدولتين وكأنه «بقرة مقدسة» رغم أن سياسات إسرائيل في تقديري وفي تقدير عدد كبير من الفلسطينيين قد قتلت هذا الحل منذ سنين.
البعض متمسك بهذا الحل لأنه يعتقد أنه الأكثر واقعية للتطبيق ولإمكانية قبول إسرائيل به ولأن أميركا وأوروبا لا تزالان تدعمانه. لكن بوجود هذا الكم من المستوطنات في الضفة والقدس، فإن هذا الحل قد لا يمثل مصلحة للفلسطينيين.
وهنالك من يتحدث عن دولة على كل أرض فلسطين التاريخية قد تتخللها هدنة طويلة الأمد إذا ما انسحبت إسرائيل من الضفة بما فيها القدس الشرقية وفككت مستوطناتها فيها ووافقت على ربط غزة بالضفة.
وهنالك من يتحدث عن دولة واحدة بالحدود التاريخية لفلسطين يعيش فيها جميع من يتواجد على أرضها بحقوق وواجبات متساوية وبلا تمييز.
هذا الحل يكتسب شيئا فشيئا تأييداً عالمياً وقد كان قبل أسبوع ما طرحته هيئة تحرير صحيفة النيويورك تايمز في مقال حمل اسمها.
لكن ليس مهما ما يقوله الآخرون الآن، المهم ما يتفق عليه الفلسطينيون بين أنفسهم.
بوجود ثلاثة خطابات سياسية لهم سيكون من الصعب حشد التأييد العربي والعالمي لقضيتهم. وسيكون من المستحيل الوصول إلى أي حل لأن كل جهة فلسطينية تدفع باتجاه مغاير للاتجاه الذي تدفع به الجهة الأخرى.
هذه المسألة يجب أن تحل ولا يمكن أن يتم ذلك ما لم يجرِ حوار داخل منظمة التحرير بعد إعادة بنائها وإعادة الاعتبار لها وما يتم الاتفاق عليه يتحول بعدها إلى خطاب جامع للكل الفلسطيني ويترجم إلى سياسات وبرامج كفاحية يكون للداخل الفلسطيني في الضفة وغزة وفلسطينيي ١٩٤٨ وللخارج الفلسطيني أدوار في تنفيذها.
المسألة ليست معقدة وكل ما تحتاجه هو شجاعة وإرادة من النخب الفلسطينية للاعتراف بالمعادلات الجديدة التي صنعتها الحرب الأخيرة، وهي معادلات تفرض علينا العودة لترتيب بيتنا الداخلي إذا ما أردنا البناء على ما تم إنجازه بتضحيات شعبنا.