أميركا العالقة بالوحل الإسرائيلي..رجب أبو سرية

الجمعة 21 مايو 2021 07:34 م / بتوقيت القدس +2GMT
أميركا العالقة بالوحل الإسرائيلي..رجب أبو سرية



لا نبالغ كثيراً، لو قلنا بأن التظاهرات الشعبية الأميركية التي جابت أهم مدن الولايات المتحدة، خلال الأيام الماضية، تذكر بتلك التظاهرات التي عارضت الحرب الأميركية في فيتنام قبل خمسين سنة مضت، والتي كانت أحد الأسباب المباشرة في نهاية المطاف، لسحب القوات الأميركية من فيتنام الجنوبية، ومن ثم سقوط نظام بنوم بنه في سايغون وتوحيد بلاد هوشي منه، وتحرر أميركا من حرب خاسرة على كل الصعد، ومنها بالطبع الجانب الأخلاقي، حيث كانت قوتها تمارس جرائم الحرب بحق المدنيين الفيتناميين، حين كانت طائراتها تقصف مدن فيتنام الشمالية.
وليس أمراً عادياً أو سهلاً أن يخرج دافع الضرائب الأميركي في تظاهرة احتجاجاً على سياسة بلاده الخارجية، حيث معروف بانه براغماتي كثيراً، يهتم بالشأن الداخلي أكثر من اهتمامه بالشأن الخارجي، لكن على ما يبدو، فإن تحولاً داخل الولايات المتحدة آخذ بالتصاعد، خاصة ما يتعلق بالعلاقة الخاصة التي طالما وصفت بالإستراتيجية مع إسرائيل، وما يتبع ذلك من انحياز أميركي لإسرائيل أياً تكون حكومتها، وأيا تكون الإدارة الأميركية، ومهما كان الموقف الإسرائيلي.
من الواضح أيضاً، أن قناعة متزايدة في صفوف الأميركيين، تذهب باتجاه محاولة الحفاظ على مكانة أميركا كزعيمة للعالم، وهذه المكانة لا تستوي مع استمرار اتخاذ المواقف السياسية الخارجية التي تنفرد فيها أميركا مع إسرائيل، وتتعاكس أو تختلف مع معظم العالم، وهذه المواقف في الغالب تتمثل في الاصطفاف التلقائي الأميركي إلى جانب إسرائيل في المحافل الدولية، وفي مقدمتها الأمم المتحدة، بمجلسيها، مجلس الأمن والجمعية العامة.
المحاولة الأميركية لترميم الضرر الذي ألحقته إدارة دونالد ترامب الشعبوية السابقة، تمثلت في وضع تلك المهمة كأولوية لدى أدارة جو بايدن، التي اتخذت قرارات تنفيذية فورية للتوافق مع الغرب الأوروبي، إن كان فيما يخص المناخ، أو التبادل التجاري، ومن ثم الملف الإيراني، لكن سرعان ما أدخلت حكومة اليمين الإسرائيلي إدارة بايدن مجدداً لتعلق في الوحل السياسي الإسرائيلي، حيث أن إسرائيل حين تطلق آلتها الحربية لتحصد الضحايا المدنيين في القدس وغزة والضفة، كذلك حين تظهر بشكل جلي كدولة عنصرية تميز بين مواطنيها العرب واليهود، فإنها تبدو في نظر العالم، كدولة شريرة، من يقترب منها يخسر الكثير على الصعيد الأخلاقي.
وما كان بمقدور بايدن، أن يمارس الافتراق مع إسرائيل في فيننا وفي المواجهة الميدانية مع الفلسطينيين في وقت واحد، لذا فإن موقف إدارته ظهر مرتبكاً للغاية، حين كانت خارجيته بوزيرها والناطق باسمها يعلنون عن الوقوف إلى جانب إسرائيل في حقها بالدفاع عن النفس.
بدا هذا الموقف مضحكاً جداً، فإسرائيل الدولة النووية التي تمتلك أقوى خامس جيوش العالم، والتي ترتكب جرائم حرب في نظر القانون الدولي، تدافع عن نفسها، في مواجهة شعب اعزل، في أحسن حالاته لديه مجموعات مسلحة بأسلحة فردية، لا تقارن بآلة الحرب الإسرائيلية، في غزة، وعند عقد المقارنة البسيطة دون التفاصيل بين ضحايا الحرب على الجانبين، يكون للنعامة الأميركية التي تضع رأسها في الرمال، تجنباً للحقيقة، من هو المعتدي ومن هو الضحية، حيث سقط على الجانب الإسرائيلي أقل من 10% من الضحايا من القتلى والمصابين على الجانب الفلسطيني، فيما بلغ حجم الخسائر المالية، على الجانبين مستوى متقارباً، مع العلم بأن ميزانية إسرائيل تبلغ أكثر من عشرات أضعاف ميزانية دولة فلسطين، هذا إضافة إلى كون ما خسرته إسرائيل لم يكن إلا ثمن القذائف وتحليق الطائرات، فيما الخسائر الفلسطينية، في البنية التحية والمنازل والأبراج، أي أن الخسائر المادية على الجانب الفلسطيني بعيدة المدى، تضاف إليها خسائر في التنمية وغير منظورة.
هذا الموقف الأميركي الذي تمت صياغته على قاعدة حق إسرائيل في الدفاع عن النفس، لم يظهر كموقف شاذ، ومختلف عن مواقف كل دول العالم وحسب، بل لم يكن مقنعا لمن ينطق به، لذا فقد تلعثم المتحدث باسم الخارجية الأميركية، وعجز عن تقديم الجواب لصحافي سأله عن حق الفلسطينيين بالمقابل في الدفاع عن النفس.
الموقف الأميركي مع ذلك، ليس قليل الأهمية، فموقف إدارة بايدن، المرتبك والمتردد، لم يرض أحدا، باستثناء بيني غانتس، فهو جاء أقل من التوقعات الفلسطينية والعالمية، كذلك تعرض لانتقاد الرئيس السابق ترامب، ومع ذلك كان خطراً، وليس مجرد موقف، فأميركا أحبطت ثلاث محاولات لمجلس الأمن، لإصدار بيان يدين إسرائيل ويدعو لوقف فوري لإطلاق النار، وبالتالي وفر غطاءً لاستمرار سادية حكومة اليمين الإسرائيلي في مواصلة قتل الفلسطينيين وتدمير منازلهم لتحقيق أهدافه الخاصة بالبقاء في الحكم.
وقد قال بايدن نفسه في اتصالاته مع بنيامين نتنياهو أكثر من مرة، بأن رصيده في تغطية جرائم الحرب الإسرائيلية آخذ بالنفاد، مع مرور الوقت واستمرار الضغط السياسي الخارجي والشعبي الداخلي. في الوقت الذي سجلت إدارة بايدن في رصيدها السياسي خطيئة إفشال مجلس الأمن في إعلان موقف أخلاقي في لحظة ثارت فيها الدنيا كلها على إسرائيل.
ما لا بد أن تدركه الإدارة الأميركية هو أن نهم وشهوة اليمين المتطرف الإسرائيلي للقتل والفاشية والعنصرية ليس له حدود، وأن إرضاءها بالتالي غاية لا تدرك، لذلك كان الانحياز الأعمى لإدارة ترامب لإسرائيل اليمينية سبباً رئيسياً في سقوطها.
وحيث أن العالم يتغير، فليس بعيداً اليوم الذي يفرض فيه العالم ومنه الشعب الأميركي نفسه، التغيير فيما يخص هذا الانحياز الأميركي لإسرائيل دولة الاحتلال والعنصرية، حيث لا بد أن تنظف أميركا ثوبها من الوحل الإسرائيلي، وإلا ستبقى على صورة الدولة الداعمة لقوة البطش، غير المؤهلة لقيادة العالم، وإذا استمرت إدارة بايدن على موقف الإدارة المترددة، لن تعود في ولاية تالية، فهي لن تعبر عن التغيير الذي حدث خارجياً وداخلياً، وبذلك لن تتعدى كونها إدارة فاصلة وعابرة بين حقبتين.