صحيفة عبرية: سياسة عاجلة لأمن قومي.. هذا ما تحتاجه إسرائيل أمام سلسلة من التحديات

الجمعة 30 أبريل 2021 09:30 م / بتوقيت القدس +2GMT
صحيفة عبرية: سياسة عاجلة لأمن قومي.. هذا ما تحتاجه إسرائيل أمام سلسلة من التحديات



القدس المحتلة / سما /

معهد السياسة والاستراتيجية بقلم: طاقم المعهد برئاسة اللواء احتياط عاموس جلعاد

يبدو مؤخراً تفاقم في سلسلة تحديات استراتيجية تقف على أعتاب إسرائيل. وذلك في الوقت الذي تغرق فيه قيادة الدولة في أزمة سياسية، وتتلبث في بلورة سياسة تجاه الواقع المتشكل، وقراراتها ليست نتيجة استراتيجية أو سياقات اتخاذ قرارات مرتبة – تتضمن تحليلاً للبدائل والتداعيات – مما تفترضه المسائل التي تؤثر على الأمن القومي.

برز في هذا السياق انفجار العنف في القدس وغزة، والذي جسد الصلات الحساسة ومستوى التفجر العالي في الساحة الفلسطينية، ولا سيما قبيل الانتخابات الفلسطينية القريبة القادمة. يفهم أبو مازن بأنه ارتكب خطأ وأن بانتظاره هزيمة يتكبدها أمام حماس، ويبحث عن “سلم للنزول عن الشجرة”. وسيكون تأجيل الانتخابات متعلقاً برفض إسرائيل إجراءها في القدس، مما من شأنه أن يؤدي إلى اشتعال متجدد، سواء في القدس أم في غزة، وهذه المرة في ظل مشاركة نشطة من الذراع العسكري لحماس.

على كل حال، إن أضرار خطوة الانتخابات في الساحة الفلسطينية تحققت، منذ هذه اللحظة، على خلفية الاضطراب والانقسام والانشقاق في صفوف فتح – التي انقسمت إلى أربعة معسكرات، بينما تعمل حماس كمنظومة موحدة ومنظمة. وقد جسد الحدث كله وهن القيادة الفلسطينية في يهودا والسامرة، وميل ضعف السلطة الفلسطينية كمنظومة سلطوية والذي من المتوقع أن يشتد بالتوازي مع الرحيل المستقبلي لأبو مازن ونشوب صراع خلاف داخلي في صفوف فتح.

وبالتوازي، يطول ظل التحدي الإيراني. ففي الوقت الذي يلوح في فيينا تقدم في المفاوضات على العودة إلى الاتفاق النووي الإشكالي، تتخذ إسرائيل في واشنطن صورة من تقف ضد سياسة إدارة بايدن وتسعى لإفشالها، وذلك على خلفية النبرة التهديدية التي اتخذها رئيس الوزراء عشية زيارة وزير الدفاع الأمريكي إلى البلاد حين أعلن أن الاتفاق النووي لا يلزم إسرائيل؛ الإشارات بأن إسرائيل تعد خياراً عسكرياً؛ وبالتأكيد إذا كانت الاتهامات من طهران، والتسريبات في الصحف الأجنبية والإسرائيلية صحيحة، وإسرائيل بالفعل تقف خلف الانفجار في نطنز، وضرب سفينة الحرس الثوري في البحر الأحمر.

من شأن إسرائيل أن تدفع ثمناً باهظاً إذا ما قررت الإدارة بأن خطواتها تستهدف التخريب على العودة إلى الاتفاق النووي والذي هو هدف استراتيجي أمريكي. تسعى الولايات المتحدة إلى العودة إلى الاتفاق النووي كي “تعيد إيران إلى الصندوق” والتفرغ إلى مسائل خارجية بأولوية أعلى بكثير، وعلى رأسها المنافسة العظمى تجاه الصين وروسيا. الصراع على الصدارة تجاه الصين تعتبره واشنطن صراعاً داخلياً على النظام العالمي وعلى تفوق النظام الديمقراطي، وأي خطوات إسرائيلية ضد العودة إلى الاتفاق النووي تعتبر عرقلة للولايات المتحدة في مسألة أمن قومي من الدرجة الأولى.

وإلى ذلك، يتضح أن المواجهة بين القوى العظمى “تسخن” كل الوقت وتحتل حجماً أكبر فأكبر في جدول الأعمال العالمي. فالتوتر مع روسيا يتعاظم حول أوكرانيا، والعقوبات التي فرضتها الولايات المتحدة ضد موسكو رداً على “أعمال معادية” (هجمات سايبر، التدخل في الانتخابات) بما في ذلك طرد دبلوماسيين روس. بالتوازي أعلن الرئيس بايدن ورئيس وزراء اليابان – الزعيم الأول الذي يزور واشنطن كضيف على الإدارة الجديدة – عن وقفة وردع مشترك تجاه سياسة الصين المهددة في بحر الصين الشرقي وفي مضائق تايوان، والقمع الذي تمارسه في هونغ كونغ.

بغياب استراتيجية وبدون كيمياء بين زعيمي إسرائيل والولايات المتحدة، فإن سياسة كدية تجاه واشنطن ستبث أثرها على عموم العلاقات بين الدولتين، فتترك إسرائيل منعزلة، وتحول المشكلة الإيرانية إلى “مشكلة إسرائيلية” بالتدريج، تضعف صورة إسرائيل وقوتها في نظر العالم العربي. رغم العلاقات الأمنية المتوثقة، فإن العلاقات مع مصر تبرد، ومع الأردن مفعمة بالاحتكاكات، ومسيرة التطبيع تبدو تراوح في المكان، والسعودية تنضم إلى الإمارات في سياسة تضييق المخاطر تجاه إيران على خلفية التقدم في المحادثات في فيينا، وربما نشأ في الوعي الخليجي صورة تعاون بين إسرائيل ومنظمة الإخوان المسلمين، على خلفية التطورات السياسية في إسرائيل.

في هذه الظروف، وبلا تأييد أمريكي، قد تجد إسرائيل صعوبة في توسيع دائرة التطبيع، لتعميق العلاقات الاستراتيجية مع الدول العربية وربطها بمواجهة التحديات في الساحة الفلسطينية، وفي المنطقة وتجاه إيران.

كيف يتعين على إسرائيل أن تعمل؟

ترميم الثقة وتحريك التنسيق الاستراتيجي مع الإدارة الأمريكية تجاه التحدي الإيراني هما الآن في الأولوية العليا. وبالتوازي مع استمرار “المعركة بين الحروب” لصد إيران في المنطقة، على إسرائيل أن تنتقل من الدبلوماسية الصاخبة والصدامية مع الإدارة والتي تؤثر سلباً على منظومة العلاقات مع الولايات المتحدة، إلى حوار هادئ وحميم، على أساس الالتزام الأمريكي المتين بأمن إسرائيل وعلى توافُق الدولتين أنه من الحيوي منع السلاح النووي عن إيران، وفي ظل الاستناد إلى قنوات التعاون الاستخباري والأمني والعملياتي الناجعة بين الدولتين.

على خلفية المنافسة المحتدمة بين القوى العظمى، بين أمريكا والصين وروسيا، فإن إسرائيل مطالبة بالتصرف بشكل حذر تجاه خصوم الولايات المتحدة من جهة، وأن تحرص على الشفافية الكاملة مع واشنطن من جهة أخرى، ولا سيما في مجال الرقابة على الاستثمارات الصينية في التكنولوجيات الحساسة، وذلك بشكل يسمح للإدارة الأمريكية بأن تقرر بيقين بأن علاقات إسرائيل مع روسيا والصين لا تعرض المصالح الأمريكية للخطر.

على المستوى الإقليمي، إسرائيل مطالبة بإصلاح الأجواء في العلاقات مع الأردن، والعمل على تحسين العلاقات مع مصر على مستوى القيادات. فالمساعدة الطبية الواسعة للمملكة في صالح مكافحة كورونا، والتي تقررت مؤخراً، تعدّ خطوة في الاتجاه الصحيح. ويبدو أن أي تنسيق وثيق مع عمان والقاهرة حيوي أيضاً للتصدي للمخاطر في الساحة الفلسطينية، ولا سيما إذا ما أجريت الانتخابات، ولكن إذا ما تأجلت، وهي التطورات التي من شأنها -كما أسلفنا- أن تؤدي إلى ضعضعة التوازنات الحساسة والاستقرار في الساحة الفلسطينية.

في كل الأحوال، تحسن إسرائيل عملاً إذا ما أعادت -بالتوازي مع عودة الأمن والتوازن في القدس ولجم حماس في غزة- أفق حل الدولتين إلى جدول الأعمال، بتنسيق وثيق مع إدارة بايدن؛ وتعمل على ربط مسيرة التطبيع مع دول الخليج كي تضخ الإمكانيات إلى السلطة الفلسطينية، بدل من دحرها جانباً. هذه الخطوات، بالتوازي مع استئناف العلاقات بين واشنطن والسلطة، كفيلة بأن توقف ميل ضعفها كمنظومة سلطوية ومسيرة تقربها من حماس.

في السطر الأخير، فإن الأزمة السياسية غير المسبوقة تؤثر سلباً على قدرة دولة إسرائيل على بلورة استراتيجية وأجوبة ناجعة على سلسلة تهديدات وتحديات ذات ميل احتدام. أزمة بحجم كهذا تستوجب رداً قيادياً عاجلاً يؤدي إلى بلورة سياسة بعيدة المدى تضع أهدافاً استراتيجية وتعمل بشكل متداخل سعياً لتحقيقها.