أولمرت: "أبو مازن" يريد السلام.. ونتنياهو يمنع فرص التقدم نحو حوار حقيقي مع الفلسطينيين

الجمعة 30 أبريل 2021 04:17 م / بتوقيت القدس +2GMT
أولمرت: "أبو مازن" يريد السلام.. ونتنياهو يمنع فرص التقدم نحو حوار حقيقي مع الفلسطينيين



القدس المحتلة /سما/

معاريف - بقلم: إيهود أولمرت   رئيس الوزراء السابق "أحداث الأيام الأخيرة في القدس ليست حدثاً مصادفاً مصيره الاختفاء بسرعة. فنحن نقف على شفا استيقاظ عنيف قد يتطور إلى حجوم إرهاب في الشوارع. وقد يكون صداماً يوقع عدداً لا بأس به من الضحايا – في الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي.

كنت في قلب العاصفة التي هزت أمن حياتنا قبل نحو عشرين سنة كرئيس بلدية القدس. كانت المدينة الهدف الأساس لأعمال الإرهاب. معظم العمليات وقعت فيها، في شارع يافا، في طريق بات على مسافة غير بعيدة من استاد تيدي، في مطعم سبارو، في مقهى مومنت وفي أماكن عديدة أخرى. أتذكر المشاهد القاسية التي سأحملها معي في حياتي. وهي تعود إليّ في الليالي التي يغيب فيها النوم عني وفي الكثير من المواقف الأخرى. لا يوجد إنسان طبيعي يريد أن يعود إلى تلك الأيام. 

في حينه، حكم ياسر عرفات السلطة الفلسطينية، ولم يكن يريد السلام، ولم يقصد صنع السلام ولم يكف عن حلم  مواصلة الإرهاب كطريق وحيد يمكنه فيه أن يحقق أهدافه. الإرهاب الفلسطيني لبداية سنوات الألفين، بقيادته وبإلهامه، لم يسببه انعدام الرغبة الإسرائيلية للحديث معه. وقد كان تعبيراً عن عدم قدرة عرفات على فك الارتباط عن ماضيه الإرهابي ليصبح سياسياً مثل مناحيم بيغن أو نلسون مانديلا.

اليوم، يقف على رأس السلطة زعيم يريد السلام ويعارض الإرهاب. د. محمود عباس “أبو مازن”، أعرفه جيداً. لأسفي، في لحظة الحقيقة، عندما تقدمت له بعرض لتسوية سلمية تستجيب لقسم مركزي من التطلعات والمطالب الفلسطينية لم تكن فيه الشجاعة للاستجابة له والتوقيع. لدينا عدد لا يحصى من الأسباب للاشتباه بالفلسطينيين للتشكيك بقدرتهم وباستعدادهم للتقدم نحو سلام حقيقي يقوم، بلغة أصبحت مهترئة وتبسيطية، على أساس “تنازلات أليمة” للطرفين.

ومع ذلك، تتعاون السلطة مع إسرائيل كي تمنع الإرهاب، وأجهزة أمنها تسلم مشبوهين بالإرهاب لوكلاء جهاز أمننا. ومعظم أحداث الإرهاب تقع في القدس، حيث انعدام لأجهزة الأمن الفلسطينية. وعدم نجاحنا في منع الإرهاب، مقابل غياب الإرهاب بشكل شبه تام في المناطق التي تقع المسؤولية الأمنية فيها للسلطة، يجب أن تثير الانتباه والحساسية الخاصة لدى كل  المزايدين الذين يتحمسون ضد أبو مازن والفلسطينيين ويسارعون إلى توجيه الاتهام لهم.

***

في الأيام الأخيرة نشأت ظروف جديدة قد تجرنا إلى موجة متجددة من الإرهاب. إن المصدر الأساس للعنف وحماسة الصدام ليس الجانب الفلسطيني، مع أن حماس تقفز على الفرصة وقد تشعلها بسبب جدالات فلسطينية داخلية عشية الانتخابات. حان وقت وضع الأمور في سياقها الصحيح؛ فمنذ فترة طويلة يجري عمل منظم ومنهاجي لمحافل يهودية في مناطق مختلفة في الضفة الغربية تستهدف الفلسطينيين وإلحاق أضرار اقتصادية جسيمة بهم، بل وإيقاع الأذى الجسدي بهم. فصور فتيان التلال الذين يهاجمون المزارعين الفلسطينيين يضربونهم ويدمرون زيتونهم، ويرشقون الحجارة، ويضربون رؤوس المواطنين بالعصي الذين دونما أي صلة بالإرهاب – تشهد على ظاهرة خطيرة واستفزازية، تستهدف حشر الفلسطينيين بشكل منهاجي في الزاوية بحيث لا يترك الحال لهم في النهاية أي خيار غير الرد العنيف.

حتى وقت أخير مضى كان هذا العنف جزءاً من الحياة اليومية  لجزء من المستوطنين الذين جعلوا التنكيل بالفلسطينيين هدفاً يأتي لخدمة غايتهم المركزية: طردهم، وسلبهم، وإبعادهم عن أماكن حياتهم. وأضيف مؤخراً بعد جديد وخطير؛ فقد بدأت دوائر اليمين المتطرف يشتمون رائحة الهزيمة السياسية التي تهدد كل مشروع حياتهم. فنتائج الانتخابات الأخيرة وعدم قدرة نتنياهو (في هذه اللحظة على الأقل) على تشكيل حكومة تضم المحرضين الفاشيين ايتمار بن غبير ورفاقه، ستؤدي إلى بداية تغيير في ميزان القوى السياسية في إسرائيل.

المستوطنون العنيفون لا يؤمنون بنتنياهو، ولا يثقون به في تحقيق أمانيهم. ولكنهم يعرفونه، يعرفون أنه قابل للابتزاز، وجبان، ولا يصمد، وليس له أي التزام حقيقي ببلاد إسرائيل. يتذكرون كيف جسد البند في اتفاق أوسلو الذي ألزم إسرائيل بالانسحاب من الخليل. امتنع إسحق رابين عن عم ذلك، وكذا شمعون بيرس. أما بيبي فانسحب من المدينة. وهم يخشون أن يفعل الشيء نفسه من أماكن أخرى.

ويعرفون أيضاً بأنه يجهل مواجهة الضغوط، وأنه يرد بفزع وقت الخطر. ولهذا فإنهم يؤيدونه ويفضلونه على كل مرشح آخر. لأكثر من عشر سنوات وهم يضغطون عليه في الأماكن الأكثر حساسة. وهو يريد كما هو متوقع – بالخنوع المطلق.

منذ عاد إلى منصب رئيس الوزراء في العام 2009، يفعل نتنياهو كل شيء لعرقلة أي إمكانية للتقدم نحو حوار حقيقي مع الفلسطينيين، بينما هم تعاونوا لمنع الإرهاب وسفك الدماء.

يعرف الجميع بأن الأمر الوحيد الذي يشغل بال بيبي هو استمرار سكنه في بلفور. لا شيء آخر يمكن أن يثير انفعاله غير التهديد الحقيقي هذه الأيام، لإخلاء بلفور، والوقوف أمام قضاة إسرائيل في القدس. مصيره الشخصي لا يلمس شغاف قلب رجال اليمين المتطرف. مصير المشروع الاستيطاني، واحتمال مواصلة السطو على أراضي  الفلسطينيين الخاصة وتوسيع البناء غير القانوني في المناطق التي كانت بملكية  الفلسطينيين – هي أمور تحرك رجال اليمين أولئك.

ولهذا فقد قرروا اتخاذ خطوات استفزازية في القدس تستهدف الوصول إلى صدام عنيف. منظمة “لاهفا” هي دورية بن غبير وشركائه الخاصة. هذه المنظمة تعمل صراحة على إشعال النار والتسبب بردود فعل عنيفة تنتهي بموجة أخرى من الإرهاب.

موجة الإرهاب هي ما يحتاجه نتنياهو كي يخلق مظهراً لوضع طوارئ متطرف يستهدف تشكيل حكومة وطنية برئاسته مع كل محافل اليمين، ونفتالي بينيت كجزء منهم. نتنياهو لا يشعل عود الثقاب، بل سيفعله رجال “لاهفا”، أما هو فيعطيهم إياه. ومن الأفضل أن تكون هذه في القدس – فهذا هو المكان الذي سيكون ممكناً من حوله تركيز قدر أكبر من التضامن والتوافق في أوساط محافل اليمين “المعسكر الوطني”. بغياب شرطة مصممة مستعدة لكبح رجال “لاهفا” بكل القوة وبلا تردد – فإنهم سينجحون في إشعال النار. أما نتنياهو فسيتفاجأ- ولكنه سيسارع إلى العمل لتوحيد المعسكر الوطني، وسينضم بينيت لذلك. وإذا لم  تنشب النار في القدس، فسيشعلها نتنياهو في حدود الشمال، أو بالصدام في الجنوب مع حماس. في اللحظة الأخيرة،  عندما يوشك عالمه على الانهيار – سيحاول جعل عالمنا ينهار علينا.