خارج لحظة القراءة..غسان زقطان

الإثنين 26 أبريل 2021 12:15 م / بتوقيت القدس +2GMT
خارج لحظة القراءة..غسان زقطان



لست قطعياً فيما يتعلق بالحكم على أي عمل إبداعي، أي عمل، ليس ثمة يقين في هذا الشأن ولا مساومة أيضاً، الأحكام تتدخل فيها الذائقة والذاكرة الشخصية والثقافة على نحو متعسف، تكون مكشوفة أثناء الكتابة وعرضة لكل التدخلات، الشعر على وجه الخصوص أو بناء مشهد سردي، الضوء والظل، الرجل الذي يتحدث في الهاتف على شرفة الجيران، نبرة الرجل ولحظات الصمت، القط الأشقر الذي نجا للتو من دواليب مركبة مسرعة، نزعة الكاتب في حماية كتابته وسعيه المقصود لفتح ممرات آمنة لأفكاره...، كل هذا سيصل النص بدرجة أو أخرى.
ليس ثمة أرقام أو أدوات قياس صارمة ومتفق عليها هنا. أضع انطباعي أولاً وأدفع النظرية والقوانين المقتبسة من نصوص أخرى خارج المشهد، خارج لحظة القراءة، لست بحاجة لها ولتدخلاتها هنا، تلك الأحكام التي تأخذ شكل «الحكمة» والقانون، لا أخضع قراءتي لرغبة الكاتب، أدفع نواياه وسلطته وحيله البلاغية خارج القراءة.
الانطباع هو وسيلتي لبناء المصافحة الأولى مع النص، نوع من الحدس، تصافح اليد وتنظر في العينين، الباقي يأتي لاحقاً.
مرة حملت، بعد تردد يائس، قصيدة لمدرس اللغة العربية، كان شاعراً معروفاً، نظر إلى الورقة بضجر ثم أعادها إليّ مع جملة بدت لي معدة منذ وقت طويل وبحاجة إلى سبب للخروج من عتمتها: ليس من الضروري أن تكون شاعراً لأن والدك شاعر، قال الأستاذ ثم أكمل ببرود، الشعر بحاجة إلى موهبة.
كنت في السادسة عشرة وكانت تلك طلقة في الرأس من المسافة صفر رافقني دخانها إلى الآن.
كان حكمه قطعياً وبدا حكيماً ومتهكماً وقادراً على القتل.
كلما كتبت شيئاً يظهر مدرس اللغة العربية ويتجمع خلف الكتابة بضجره كاملاً، ووقفته المركونة في الذاكرة.
شيء من الرهبة أمام القارئ الوحيد الذي أطلق حكماً قاطعاً ومضى ليكمل حياته بينما واصلت وقفته ملاحقتي.
نسيت الصوت ولكني احتفظت بمشهد يده وهو يعيد الورقة.