"اليد التي أشعلت النار تريد إطفاءها": هل أرادت إسرائيل تشويه سمعة مبعوث بايدن وتحدي “دول الاتفاق”؟

الجمعة 16 أبريل 2021 06:01 م / بتوقيت القدس +2GMT
"اليد التي أشعلت النار تريد إطفاءها": هل أرادت إسرائيل تشويه سمعة مبعوث بايدن وتحدي “دول الاتفاق”؟



القدس المحتلة / سما /

هآرتس - بقلم: عاموس هرئيل      "اليد التي أشعلت النار تريد الآن إطفاءها. في العيد كتبت “نيويورك تايمز”، نقلاً عن مصدر أمني إسرائيلي، بأن إسرائيل معنية بتهدئة النفوس ولا تنوي الرد على هجوم إيران الأخير الذي أصيبت فيه سفينة بملكية رجل الأعمال الإسرائيلي رامي أونغر. الهجوم الإيراني هو الهجوم الثالث خلال شهر ونصف، لكنه جاء رداً على سلسلة هجمات على السفن الإيرانية نسبت لإسرائيل ووقعت بعد أن نشر علناً عن الهجوم الإسرائيلي الأول.

صحيفة “نيويورك تايمز” غير مقيدة بقيود الرقابة في إسرائيل، لهذا تستطيع التطرق للمسؤولية الإسرائيلية عن الهجمات كأمر مؤكد وليس أمراً مُقدراً، والكشف أيضاً عن أن إسرائيل طلبت من الأمريكيين مساعدة معينة في الدفاع عن السفينة الأخيرة التي هوجمت، “هبريون ري”. ربما كان هذا هو السبب في أنها تضررت بصورة سطحية جداً وواصلت طريقها فوراً. إطلاق الصاروخ على “هبريون ري” كان في هذه الأثناء خطوة أخيرة في سلسلة الهجمات. فقد سبقته ثلاث هجمات نسبت لإسرائيل في أقل من أسبوع: قصف روتيني لإرسالية سلاح إيرانية في دمشق، وهجومان استثنائيان؛ في البداية تفجير سفينة لقيادة حرس الثورة في البحر الأحمر، وبعد ذلك انفجار شوش أعمال أجهزة الطرد المركزي لتخصيب اليورانيوم في المنشأة النووية في نطنز. وردت إيران أيضاً على ذلك، في بيان، عن الانتقال إلى تخصيب اليورانيوم إلى 60 في المئة، التي ستضطر إلى الاعتماد كما يبدو على المنشأة الأخرى في فردو.

انفجار نطنز، وهو الثاني من نوعه خلال تسعة أشهر، حدث قبل بضع ساعات من قدوم وزير الدفاع الأمريكي، لويد أوستن، لزيارة عمل أولى في إسرائيل. حسب الطريقة التي اختارها أوستن للتعبير، وحتى لغة جسده البعيدة، يظهر الشك في أن الأمريكيين لم يتلقوا في هذه المرة إنذاراً مسبقاً. يتبين أن إسرائيل نظمت حفلة علنية لتشويه سمعة المبعوث الرسمي الكبير لإدارة بايدن. في هيئة “كان” قالوا أول أمس إنه في أوساط الدول الأوروبية الثلاث المشاركة في الاتصالات حول الاتفاق النووي مع إيران (بريطانيا، فرنسا والمانيا) يتعزز التقدير بأن عمليات إسرائيل الأخيرة والشاذة عن سياسة الغموض بشأنها، استهدفت المس بمحادثات فيينا. وهذا كما يبدو تفسير معقول.

السؤال الكبير هو ماذا تريد الولايات المتحدة الآن؟ أوستن الذي تطرق باختصار للشأن النووي، أكد تمسك الإدارة بالحل بالطرق السلمية. في الأسبوع الماضي نشر تقرير للمخابرات الأمريكية، يضم التقدير السنوي لدرجة المخاطرة التي تتعرض لها الولايات المتحدة. وورد في التقرير أن إيران ستواصل كونها تهديداً مستمراً للولايات المتحدة ومصالح حلفائها في المنطقة. طهران، كتب، “ستواصل كونها لاعبة إشكالية في العراق، ومصممة على الحفاظ على نفوذها في سوريا، وستواصل المس باستقرار اليمن، وستبقى تهديداً لإسرائيل، عن طريق ترسانة صواريخها، وبصورة مباشرة عن طريق حزب الله ومنظمات إرهابية أخرى.

مع ذلك، قال كاتبو التقرير، لم يحدث أي تغيير في الافتراض الأمريكي بأن إيران لا تنشغل الآن بالجوانب العسكرية للبرنامج النووي (أي إنتاج السلاح النووي). لم يتنازل الإيرانيون عن جزء من التزاماتهم حسب الاتفاق النووي من العام 2015، في أعقاب انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق في 2018، لكن خطواتهم قابلة للتراجع عنها وهم معنيون بالعودة إلى الاتفاق مقابل رفع العقوبات.

إن تحليلات إدارة بايدن تختلف عن الخط المتشدد الذي يزرع الفزع ويقوده رئيس الحكومة نتنياهو في المسألة النووية. وعندما نضيف إلى الاختلافات في المقاربات أيضاً عمليات على الأرض، ستزداد الإمكانية الكامنة للخلاف العلني مع واشنطن. في الخلفية، بقيت مسألة الرد الإيراني: هل ستكتفي طهران بإطلاق النار على السفن؟  لديها وسائل أخرى لإيلام إسرائيل، لكنها تستطيع أيضاً أن تقرر وقف خطواتها العسكرية إذا توصلت إلى استنتاج بوجود فرصة للتوصل إلى اتفاق سريع مع الأمريكيين بشروط مريحة بالنسبة لها.

       وقت للتحقيق

الحسابات التي نشرها هذا الأسبوع البروفيسور عران سيغل، من معهد وايزمن، استناداً إلى معطيات وزارة الصحة، لا تقل إدهاشاً؛ فمنذ ذروة وباء كورونا في إسرائيل، في منتصف كانون الثاني الماضي، حدث انخفاض 98 في المئة في عدد المصابين الجدد اليومي، و93 في المئة من عدد المرضى في حالة صعبة، و87 في المئة في عدد الوفيات. 85 في المئة من أبناء 16 فما فوق في الدولة محصنون. الوتيرة السريعة لانخفاض عدد الإصابات والوفيات فاقت معظم التوقعات السابقة. جزء من العلماء يقولون الآن علناً بأن إسرائيل وصلت إلى مستوى مناعة القطيع المقدرة لكورونا. أحد التفسيرات المحتملة لذلك هو أن الكثير من الأطفال أصيبوا في السنة الماضية بالمرض أكثر من الذين تم تشخيصهم – حتى أكثر ثلاثة – أربعة أضعاف. وبهذا، رفعوا نسبة المتعافين والمحصنين أكثر بكثير مما تم تقديره في البداية.

هذه أيضاً البيانات التي تهدئ المتشائمين من بين الخبراء في جهاز الصحة، ومكنت من إجراء الاحتفالات بعيد الاستقلال هذه السنة تقريباً كالعادة. الأهم من ذلك هو أن هذه البيانات أدت إلى إلغاء التعليمات الزائدة حول ارتداء الكمامة في المناطق المفتوحة في الأسبوع القادم. والأكثر أهمية من ذلك هو أن جهاز التعليم سيعود الأحد إلى النشاط الكامل بدون قيود (وفي هذه الحالة يبدو أنه كان يمكن تبكير أخذ المخاطرات إزاء الضرر الكبير الذي تسبب به إلغاء تعليم الأطفال). من المرجح أن الطفرات المعروفة لكورونا لن تشعل حريقاً جديداً هنا، طالما لم يتم تشخيص سلالة يمكنها التغلب على اللقاح. حتى تأثير اندلاع المرض في مناطق السلطة الفلسطينية هو تأثير محدود داخل إسرائيل، طالما أن الحديث يدور عن السلالات القديمة.

النجاح الباهر لعملية التطعيم (يجدر القول بأن جزءاً كبيراً يعود الفضل فيه إلى علاقات نتنياهو)، لا يجب أن يعفي الدولة من واجبها في القيام بفحص دقيق لكل ما حدث هنا منذ شباط من العام الماضي. وحقيقة أن الوباء العالمي السابق اندلع قبل نحو مئة سنة، لا تضمن أن يكون هذا هو معدل تكرار هذه الظاهرة أيضاً في المرة القادمة. وربما تندلع أزمات أخرى تهدد الأمن القومي التي يقف على رأسها تأثير تغير المناخ.

في الأشهر التي سبقت وصول لقاح فايزر إلى إسرائيل، كشفت كورونا العديد من نقاط الضعف في أنظمة إسرائيل. التدمير المنهجي لوزارات الحكومة خصخص مجالات حاسمة وقلص الميزانيات التي خصصت للاحتياجات الاجتماعية، وأضرت جميعها بأداء الدولة في فترة الأزمة. أثناء عملية التطعيم، تفاخرت إسرائيل بالنظام الفعال لصناديق المرضى الذي ساعد على توزيعها وركز المعلومات الطبية الواسعة المطلوبة لذلك. ولكن الصناديق هي في الحقيقة من بقايا العهد القديم، التي عملت حكومات الليكود على تعاقبها بصورة حثيثة من أجل القضاء عليها.

وبذريعة إجراءات كورونا، نكلت الشرطة بالمواطنين من جميع الشرائح والتجمعات، لكنها ركزت بصورة خاصة على المتظاهرين ضد نتنياهو. هكذا، تم الحديث هنا عن سحق ممنهج لحقوق المواطن، التي شارك فيها سياسيون وموظفون بتعاطف لا بأس به. سلوك الحكومة المميز أثار النزاعات بين المعسكرات المختلفة وقضى على التضامن في المجتمع، بتناقض صارخ مع ما ظهر في احتفالات عيد الاستقلال.

قدرة وزارات الحكومة في التخطيط والتنفيذ تبين أنها ضئيلة جداً. من الإخفاق في مطار بن غوريون إلى عجز وزارة التربية والتعليم في إدارة نشاطات رياض الأطفال والمدارس بشكل منظم في فترة الطوارئ. وجد مجلس الأمن القومي صعوبة في إدارة معالجة كورونا، في الوقت الذي كان فيه نتنياهو يرفض، بالأساس لأسباب سياسية، نقل الصلاحيات لوزارة الدفاع والجيش الإسرائيلي. وتحسن أداء الدولة قليلاً في الصيف الماضي عندما استجابت الحكومة أخيراً إلى تعيين مدير للمشروع يركز أعمال الوزارات الحكومية في الأزمة ويعطي صلاحيات للجيش. ولكن في حينه تم احباط خطة “الإشارة الضوئية” التفضيلية والمنطقية، المطلوبة، التي حاول أن يطبقها المدير الأول للمشروع، البروفيسور روني غمزو.

من خلال قضية كورونا، التي تقاطعت مع أزمة سياسية وقانونية شديدة حول لوائح الاتهام ضد نتنياهو، برز تعامل متشدد ومهين أحياناً لعدد من الوزراء تجاه أعضاء المستوى المهني، خاصة في وزارتي المالية والصحة. الطواقم الطبية تميزت في عملها، لكن الأزمة كشفت قيود الميزانية لهذا الجهاز وضعف وزارة الصحة، التي في تعمل الأوقات العادية بالأساس كمنظم.

خلال 15 سنة، منذ انتهاء حرب لبنان الثانية، تستعد إسرائيل لسيناريو رعب بصورة نشطة، يتمثل في نشوب حرب مع حزب الله، التي في إطارها سيتم إطلاق الصواريخ والقذائف يومياً على الجبهة الداخلية. ولكن كورونا كشفت الصعوبة لدى جهاز الصحة في أن يواجه في الوقت نفسه معالجة آلاف المرضى/ المصابين الذين هم في حالة صعبة. صحيح أن ما من حاجة لحماية الطواقم الطبية من الإصابة بالفيروس في المعركة، لكن عدد الأسرة في غرف العناية المكثفة بقي ضئيلاً جداً إزاء التحدي المتوقع.

ما الذي أرادت الحكومة تحقيقه في الأزمة، باستثناء انخفاض عدد الإصابات؟ أهداف الجهد الوطني (صفر حالات كورونا؟ طول نفس للمستشفيات؟) لم يتم تعريفها بصورة دقيقة، بالضبط مثلما لم يتم فعل ذلك في عملية “الجرف الصامد”، وبالضبط مثلما لم يتم إجراء نقاش حول ذلك في الأزمة التي تتبلور الآن مع إيران. ثمة استطلاعات أجراها المعهد الإسرائيلي للديمقراطية في العام الماضي أظهرت انخفاضا حاداً في ثقة الجمهور بمؤسسات الدولة. وفي الوقت الذي قيل فيه الكثير من الهراءات والكثير جداً من الفرضيات، تبين أنها فرضيات خاطئة في قضية كورونا، فماذا سيكون مستوى الثقة بالمتحدثين والتعليمات للجمهور في الأزمة الأمنية القادمة؟

بمقارنة أخيرة مع العالم الأمني، يمكن اعتبار التطعيمات النسخة الصحية من القبة الحديدية. وإدخالها إلى استخدام نظام اعتراض الصواريخ قبل عشر سنوات عمل على تغيير وجه المواجهة في قطاع غزة؛ لأنه قلل عدد الإصابات وأعفى إسرائيل من الحاجة إلى القيام بخطوات متطرفة مثل احتلال القطاع. بعد القبة الحديدية، تعدّ التطعيمات براءة اختراع جديد، والإسرائيليون يعشقون الحلول السحرية التكنولوجية التي تغطي على إخفاقات القيادة والإدارة اليومية والتخطيط للمدى البعيد.

مع ذلك، هذا هو الوقت المناسب لإجراء تحقيق وطني، واستخلاص العبر من أحداث السنة الماضية من لتكون إسرائيل مستعدة بصورة أفضل للأزمة الكبيرة القادمة. تبدو الاحتمالات ضئيلة، والدليل على ذلك قرار الحكومة الذي قاده نتنياهو بحفظ كل محاضر نقاشات كورونا وإبقائها سرية لمدة ثلاثين سنة.