يديعوت - بقلم: أليكس فيشمان "يعرف الإيرانيون بأنهم ضربوا سفناً تعود لإسرائيليين، بل ويعرفون بأنهم تلقوا الضربات رداً على ذلك. فأي مصلحة لمحافل في الساحة السياسية – الأمنية في إسرائيل بنشر مثل هذا الحدث باستثناء حاجة مهووسة لارتداء عباءة “السوبرمان” واجتراف الإعجاب الجماهيري؟
لم تدرج إسرائيل على اطلاع محافل أجنبية بعمليات قواتها الخاصة. وهذا متبادل. وكان هذا دارجاً على الأقل على مدى سنوات طويلة. يدور الحديث عن عمليات في أعماق أراضي العدو أو بعيداً عن حدود الدولة، ولا تنطوي فقط على خطر جسدي على المقاتلين، بل وإمكانية فشل العملية أو انكشافها قد يلحق ضرراً سياسياً جسيماً. قادة الوحدات الخاصة – الكوماندو البحرية، سييرت متكال وأمثالهما – على علم جيد بسكين الجراح الدقيقة التي وضعت في أيديهم، وليس صدفة أن السفن لا تغرق بل تصاب فقط. كل عملية كهذه تدرس الكلفة قبالة المنفعة بعناية وبميزان. كل عملية كهذه تقر على الأقل في مستوى رئيس وزراء ووزير دفاع. عدد شركاء السر ضيق جداً، والسرية تتيح لإسرائيل نفي العملية، فالسرية أداة عمل. أما نشر عملية إسرائيلية خاصة فيلحق ضرراً مزدوجاً: يكشف طريقة العمل – مما يمنع تكرار نمط العمل في المستقبل، وكذا يستدعي رد فعل من الطرف المصاب وحرج دولي.
وعليه، فإن ما نشرته أمس “نيويورك تايمز” والذي أفاد بأن محافل إسرائيلية أطلعت الإدارة الأمريكية بأن إسرائيل هي المسؤولة عن الإصابة التي لحقت بالسفينة الإيرانية “سفيز” في البحر الأحمر قبالة شواطئ إرتيريا هو حدث خطير. وإن كان في السنوات الأخيرة قد تشقق عرف السرية، فإن صيغة محفل أمني إسرائيلي يطلع محفلاً أمريكياً مسؤولاً، ثم يطلع هذا بدوره وسيلة إعلام أمريكية بشأن عملية سرية إسرائيلية، ليس له أي مبرر، سواء أكان موضوعياً، أو إدراكياً أو ردعياً. فالبراغي التي يفترض أن تحمي المصالح الأمنية – القومية تحلحلت وباتت خاضعة لأغراض شخصية. فما بالك أن أصبح يتبدل في السنوات الأخيرة وزراء دفاع مثلما يبدل المرء جراباته وليس ثمة من يمسك اللجام. بدأ هذا مع الكشف الفضائحي لسرقة الأرشيف النووي الإيراني، وتواصل التنقيط على التوالي حتى تصفية عالم الذرة النووي في إيران، والآن وصلنا إلى فصل عمليات الكوماندو البحرية في البحر الأحمر.
تلك المنشورات الأجنبية تكشف لنا بأن حملات سلاح البحرية ضد سفن إيرانية تنقل النفط أو السلاح إلى سوريا تجري منذ أكثر من سنتين، وحتى الآن أصيبت أكثر من 20 سفينة إيرانية. عندما تظهر سفينة محملة بالعتاد العسكري أو الوقود ومتجهة لتمويل أعمال معادية إلى لبنان وسوريا يجب وقفها، ومرغوب فيه على مسافة أبعد عن حدود الدولة قدر الإمكان. وتفترض مثل هذه العملية على أي حال وجوداً دائماً في المنطقة لجمع المعلومات الاستخبارية والمتابعة في الزمن الحقيقي. ولما كان الحديث يدور عن عمليات على حدود القانون الدولي مع احتمال تورط سياسي، فمعقول الافتراض بأن مثل هذه العمليات تستوجب أيضاً وجود محفل عملياتي كبير يقرر على الفور: التنفيذ أو عدم التنفيذ. وبسبب التعقيدات العملياتية، فإن كل محاولة لعزو توقيت العملية لذكاء سياسي ما يربطها ببدء المحادثات على استئناف اتفاقات النووي مع إيران بهدف تشويشها، هي محاولة مبالغ فيها.
في الحالة الأخيرة، يعزى لإسرائيل ضرب السفينة الأم التابعة لذراع الحرس الثوري البحرية. ويدور الحديث عن سفينة تحمل اللوجستيات، والوقود، والعتاد العسكري، ورجال كوماندو وما شابه. وتشكل نوعاً من قاعدة توريد في البحر أو قاعدة انطلاق لوحدات تخرج إلى عمليات خاصة. وكل ذلك تحت غطاء سفينة شحن بريئة. ويدعي النشر في “نيويورك تايمز” بأن إسرائيل “عاقبت” الإيرانيين، إذ خرج من هذه السفينة القارب الكوماندو الذي زرع العبوة في جانب السفينة التجارية التابعة لرجل الأعمال الإسرائيلي وكانت في خليج عُمان.
خيل أن ذاك المحفل الإسرائيلي الذي “أطلع” محفلاً أمريكياً كي يطلع هذا “نيويورك تايمز” لن يهدأ إلى أن يرى سفينة إسرائيلية تتفجر بعصف إلى السماء أو عندها ستندلع مواجهة وتكون له فرصة لأن يلوح بعباءة سوبرمانه.