على رغم اقتراح حماس تشكيل قائمة مشتركة مع «فتح» خلال حوارات القاهرة، إلّا أن ضغط القواعد الشعبية لدى الحركتين في الاتجاه المعاكس جعل الفكرة بعيدة المنال، خاصة في ظلّ البون الشاسع في البرامج، وتخوُّف الطرفين من تشكيل قوائم موازية بخلاف «المشتركة»، فضلاً عن تحذير العدو، وقبله الأميركيين، رام الله، من خطورة مثل هذه الخطوة
مع أن «حماس» هي التي طرحت فكرة «القائمة المشتركة» في الانتخابات التشريعية الفلسطينية المقبلة، ثمّ ناقشتها قيادة «فتح» خلال اجتماع لجنتها المركزية بحضور رئيس السلطة، محمود عباس، في رام الله أمس، فإن الأولى عادت، صباح أمس، للتوضيح أنها تقصد «تشكيل قائمة وطنية عريضة» وليس حصراً مع «فتح». وقال عضو المكتب السياسي لـ«حماس»، حسام بدران، إن «القائمة... وطنية عريضة تضمّ طيفاً واسعاً من أبناء شعبنا وفصائله». وعلى رغم أن الفكرة صدرت عن المستوى السياسي في «حماس»، إلا أنها لاقت اعتراضاً واسعاً من قواعد الحركة، التي تضغط فئات واسعة منها في اتّجاه قائمة «حمساوية» خالصة مع فصائل المقاومة الحليفة، وبدرجة ثانية شخصيات وطنية ومستقلّة. ويرى المعترضون أن «القائمة المشتركة» ستعطي «فتح» غالبية في «المجلس التشريعي» المقبل، كون الأخيرة لن تقبل أقل من نصف مقاعد القائمة، فيما سيحصل المنشقّون عن «فتح» على مقاعد أخرى، وهو ما لا يصبّ في المصلحة «الحمساوية».
ولم يختلف الموقف لدى القواعد التنظيمية «الفتحاوية»؛ إذ وفق استطلاع أجرته «المجموعة الاستشارية لبحوث الرأي والإعلام»، فإن «92% من قواعد فتح ترفض القائمة المشتركة»، مقابل «77% من قواعد حماس»، الأمر الذي دفع عضو «مركزية فتح»، جبريل الرجوب، إلى تأجيل الردّ على مقترح «حماس» قبل أيام، وإحالته إلى اجتماع «المركزية» أمس. وتخشى أطراف داخل «فتح»، خاصة المقربة من عضو اللجنة نفسها عزام الأحمد، أن تستغلّ «حماس» القائمة للدفع بقوائم تابعة لها تحت مسمّيات مستقلةّ بما يزيد من عدد مقاعدها.
وإذ تلقى فكرة «المشتركة» رفضاً داخلياً، فإن الضغوط الخارجية على عباس في شأنها لم تتوقّف أيضاً. وفي هذا السياق، كشفت القناة العبرية «الـ12» أن رئيس جهاز «الشاباك»، نداف أرغمان، التقى في وقت سابق هذا الأسبوع رئيس السلطة في المقاطعة، ونقل إليه «تحذيراً إسرائيلياً شديداً» في شأن ثلاث قضايا، منها نيّة «فتح» الدخول في قائمة مع «حماس»، وحتى الاتفاق على تشكيل حكومة وحدة، فضلاً عن تعاون سلطته مع «محكمة الجنايات الدولية».
وأضافت القناة أن أرغمان حذّر «أبو مازن» من «أخطاء جسيمة يصعُب التراجع عنها لاحقاً»، داعياً إيّاه إلى «إجهاض هذه الأفكار باكراً»، لأنها ستؤدي إلى «تراجُع مكانته وقوته السياسية في حال تشكيل حكومة مع حماس أو خوض الانتخابات معها في قائمة واحدة». كذلك، نقل مسؤول أميركي إلى عباس رسالة مشابهة، تُحذّره من أن تؤدّي حوارات القاهرة إلى تمكين «حماس» من العودة إلى لعب دور في الضفة المحتلة، أو تولّيها حقائب في الحكومة أو الوصول إلى ميزانية السلطة. ويأتي هذا وسط حديث عن نيّة واشنطن تعليق تجديد الدعم المالي وإعادة العلاقات مع السلطة إلى ما بعد الانتخابات.
في شأن هذي علاقة، علمت «الأخبار»، من مصادر في «فتح»، أن الرئيس عباس تراجَع عن حصر الترشُّح لمنصب الرئاسة بِمَن يحظى بدعم من أحد الأحزاب أو الكتل في «التشريعي»، وذلك بعد ضغوط مارستها الفصائل خلال حوارات القاهرة، التي لم تُفضِ إلى تحقيق شيء من مطالبها سوى التوقيع على «ميثاق شرف» لسير الانتخابات، ثمّ تنسيق آلياتها مع «لجنة الانتخابات المركزية». وترى الفصائل وأطراف داخل «فتح» أن القرار السابق لرئيس السلطة يهدف إلى تقليل عدد المرشّحين، ومنع ترشُّح أيّ شخص آخر من «فتح»، خاصة القيادي الأسير مروان البرغوثي، الذي جدّد نيّته الترشُّح، وفق تصريحات القيادي المقرّب منه، حاتم عبد القادر، الذي أكد أن البرغوثي لن يخوض انتخابات «التشريعي» حتى لو كان على رأس قائمة «فتح»، وأن عزمه على الترشُّح للرئاسة «نهائي»، على رغم أن «مركزية فتح» لم تُحدّد مرشّحها بعد.
وسط ذلك، تتواصل الخلافات داخل «فتح»، إذ يكمل عباس عقوباته على القيادي المفصول حديثاً من الحركة، ناصر القدوة، بقراره إقالته من رئاسة مجلس إدارة «مؤسسة ياسر عرفات» وعضوية مجلس أمنائها، وتعيين علي مهنا قائماً بالأعمال ثلاثة أشهر، وعلمت «الأخبار» من مصادر أن عودة الدعم المالي المتوقّف حالياً إلى «مؤسسة عرفات» سيُستأنف خلال أسابيع، فور عقد أول اجتماع لمجلس الأمناء.