هآرتس - بقلم: عودة بشارات :يمكن القول بأن الأكثر خطورة في النظام السياسي الإسرائيلي هو نتنياهو، ويمكن القول أيضاً بأن نتنياهو أكثر خطورة من ترامب؛ فترامب لم يتعقب أعضاء الكونغرس من الحزب الديمقراطي لإغرائهم بالانضمام إلى معسكره، ولكن نتنياهو يتخذ هذا هو ترياق حياة في عقيدته: إثارة الشجار والرشوة والحكم.
لم يقتصر نتنياهو على سياسة “فرق تسد”، التي هي جوهر الكولونيالية، بل طورها أيضاً ضد أبناء شعبه. فقد نجح في إثارة الشجار وحل كل مؤسسة حزبية وقفت في طريقه. هو يعثر على نقطة الضعف لدى الخصم ويمسك بها ويستغلها، والباقي معروف.
إيهود باراك الذي كان الخلية الأضعف، تبخر سياسياً بعد أن انشق، أما حزبه، العمل، فقد رمي لأسماك القرش وهو ينزف. وحزب “كديما” الذي كان ذات يوم حزب السلطة لم يعد قائماً بفضل نتنياهو. وثمة أحزاب من “العائلة” حصلت على معاملته المخلصة؛ أحدها برئاسة نفتالي بينيت، لم تجتز نسبة الحسم في جولة من الجولات الانتخابية.
أخيراً جاء دور العرب؛ قدر نتنياهو أن الحلقة الأضعف هي حزب “راعم”، ويمكن جره إلى خارج القائمة المشتركة. المكسب كبير… وحتى بدون نجاح “راعم” في الانتخابات، حسب جميع التوقعات، فإن كتلة الـ 15 مقعداً التي كانت ضده قد تتقلص ببضعة مقاعد.
زادت شهية نتنياهو بعد قضم القائمة المشتركة. والسلطة الفلسطينية الآن على مرمى الهدف؛ فقد طلب نتنياهو من السلطة استخدام تأثيرها على العرب في إسرائيل كي يصوتوا لليكود، أو على الأقل أن لا يصوتوا للقائمة المشتركة. وإذا كانت هناك حاجة، فسيصل نتنياهو حتى إلى حزب الله، وربما إلى طهران.
كان الشاعر مظفر النواب كتب عن سجين “ألقي في قبو مظلم يشك العقرب فيه بصديقه”، هذا هو الوضع الحالي. النظام السياسي هنا يشبه القبو المليء بالعقارب. بعد أن زرع بذور عدم الثقة في جهاز القضاء والإعلام، وبعد سلسلة التفكك التي أثارها في الأحزاب المعادية، كان في ذروتها تفكيك حزب “أزرق أبيض” إلى شظايا، تقوضت الثقة في النظام الحزبي بعد موجة الانشقاق التي شاهدناها، من سيضمن للمصوتين أن حزباً يؤيد الجانب “الأسود” لن ينتقل إلى الجانب “الأبيض”؟ من يضمن للمصوتين أن حزب “فقط ليس بيبي” لن ينتقل في اللحظة الحاسمة إلى “نعم بيبي”؟ هذه هي مساهمة نتنياهو الكارثية التي قدمها للسياسة الإسرائيلية، الجميع يشك بالجميع.
لذلك، تبدو خطيرة تلك الموضة الآن، موضة الجميع هم الشيء نفسه، سواء نتنياهو أو معارضوه. يظهر الجبل متجانساً من بعيد، لكنن بعد الاقتراب منه نشاهد نباتات هنا وهناك ونشاهد جفافاً. العمل السياسي مبني على القدرة على تشخيص الفروق، حتى الصغيرة جداً في النظام السياسي والعمل على عزل العنصر الضار.
نتنياهو هو العنصر الأكثر ضرراً. باستثناء غريزة التقسيم التي لديه، هو مهندس التحريض، سواء ضد العرب أو ضد معارضيه اليهود. وهناك تصريحات كثيرة جداً. ونذكر هنا بأن “قانون القومية” صودق عليه بأغلبية سبعة أصوات، وكان نتنياهو رأس الحربة في هذه المعركة. في المقابل، كان هناك ائتلاف يهودي – عربي، منقسم حول أمور كثيرة، لكنه موحد ضد هذا القانون الظلامي. إذا كان الأمر كذلك فكيف يمكن وضع الجميع في سلة واحدة. في النهاية نقول إن “قواتنا” مرت في يوم الجمعة بأم الفحم، وكان الحصاد عشرات المصابين والمعتقلين، ومن بين المصابين رئيس البلدية سمير محاميد وعضو الكنيست يوسف جبارين. هذه هي روح القائد، الذي يعلن عن محبة متقدة للعرب، وفي الوقت نفسه يرسل “قواتنا” كي تريهم مدى محبتنا. وفي الوقت الذي يغرق فيه نتنياهو العرب بعسله الفيروسي، فإنه يفرش السجاد الأحمر لورثة مئير كهانا في الطريق إلى أروقة السلطة. وعندما سيبدأون بتطبيق برامجهم لطرد العرب، من الأرجح أن بعض الدموع ستذرف من عيني الشخص المحب.