​إشكاليات النظام السياسى الفلسطيني وحلول مقترحة..د. عبير عبد الرحمن ثابت

الإثنين 01 مارس 2021 10:10 ص / بتوقيت القدس +2GMT
​إشكاليات النظام السياسى الفلسطيني وحلول مقترحة..د. عبير عبد الرحمن ثابت



 

 
لا يقتصر النظام السياسى على وصف شكل وآلية ممارسة الحكم فقط بل على ما يمارسه اللاعبون الرئيسيون من مؤسسات رسمية متمثلة بالحكومة وغير رسمية متمثلة بالأحزاب السياسية وجماعات الضغط ومؤسسات المجتمع المدنى.

 النظام السياسى بصفة عامة يحدد علاقة هذه التكتلات مع بعضها البعض ويتطور أي مجتمع في حال تميز نظامه السياسي بالتعددية وضمان الحريات والتداول الديمقراطى، وتحقق تلك الأنظمة السياسية مفهوم الديمقراطية بمقدار قدرتها على إشراك الأجيال المتتالية والكفاءات في الحكم؛ وإشراك قوى المعارضة داخل المساحات السياسية وذلك من خلال تفاهمات بين القوى الحاكمة والمعارضة وهو ما ينتج نموذج وطنى ديمقراطي يطبق في حالة نظامنا السياسى الفلسطيني الذي يشمل منظمة التحرير وكل الفصائل الفلسطينية، ويتمحور ضمن رزمة كاملة تتبناها النخب السياسية إذا تلاقت مع مصالحها وحافظت على أدوارها؛ يوفر بيئة مناسبة للنظام السياسى لكى يحافظ على توزيع أدوار السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية بما يكفل تحقيق المساواة والعدالة الاجتماعية والمواطنة للجميع . 
 
وقد شكل قيام السلطة الوطنية الفلسطينية مرحلة تحول بنيوى في العملية السياسية الفلسطينية حيث كانت المرة الأولى التي يُقام فيها حكم فلسطيني على جزء من فلسطين؛ وقد سعت السلطة منذ بدايتها على نقل القرار السياسى من مؤسسات منظمة التحرير إلى أطر ومؤسسات السلطة الوطنية الفلسطينية؛ والتي بدورها قامت بتشكيل الوزارات وأجهزة الأمن ومارست عملها بكافة الطرق المتاحة في محاولة منها لإنشاء نظام سياسى فلسطيني قادر على توفير بيئة دستورية وقانونية في حكم لا يمتلك السيادة الكاملة على أراضيه بسبب الاحتلال الاسرائيلى الذى يسيطر على كل مفاصل السيادة على الأرض.

وقد أدى غياب دستور فلسطيني يشمل نصوص تنظم الصلاحيات والأدوار إلى استمرار حالات الالتباس القانونية والخلط في مفاصل الحكم مما أضعف السلطة التشريعية بشكل خاص؛ إضافة إلى الاعتماد الشبه كامل على المساعدات الخارجية والذى أثر على الاستقلالية الفلسطينية.

وقد واجهت السلطة الوطنية تحديات مختلفة من أهمها محاولات إسرائيل إضعافها خاصة بعد قيام انتفاضة الأقصى عام 2000 وذلك من خلال عمليات قصف مواقعها بشكل منظم في الضفة والقطاع مما أتاح الفرصة لحالات فوضى أمنية، كذلك حالات الاضطراب السياسى بين الفينة والأخرى التى شهدتها في علاقاتها مع محيطها العربى والاقليمى نتيجة عدم انصياعها لإملاءاتهم السياسية.  
وعلى صعيد آخر تزايدت مؤسسات المجتمع المدنى بعد قيام السلطة الوطنية ؛ والتي تمثل مكون آخر للنظام السياسى الفلسطيني واستطاعت هذه المؤسسات  تطوير برامجها ومشاريعها بجانب مؤسسات حقوق الانسان ومؤسسات المرأة والدراسات المجتمعية والتنموية وكافة القطاعات الأخرى ولكنها في الكثير من الأحيان كانت أسيرة لسياسة الممول مما أضعف مكانتها ودورها في هيكلية النظام السياسى فيما يحسب للسلطة انها سنت قوانين لتنظيم العلاقة بين المجتمع المدنى والمؤسسات الرسمية.

وعلى صعيد هام كذلك لعبت الأحزاب والفصائل الفلسطينية في الحالة الفلسطينية دور نضالى وكفاحى مهم في مواجهة الاحتلال؛ ولكنها لم تتمكن من لعب دور خاص في إحداث تحول ديمقراطي في الحالة السياسية؛ إضافة الى غياب دورها الأساس في النظام السياسى وهو المساءلة والمحاسبة؛ فالفصائل الفلسطينية لم تستطع مسائلة الحاكمين كما هو مطلوب منها ولم تستطع أن تكون معارضة قوية؛ وهذا ما لم يتلمسه المواطن في حالتنا الفلسطينية خاصة بعد الانقسام السياسي بين شقى الوطن؛ وكذلك لم تشكل الفصائل حماية لكافة مكونات المجتمع بل لعناصرها فقط مما أحدث فجوة ما بينها وبين الشارع الفلسطيني الذى عاد بدوره للقبيلة والعشيرة ؛ هذا بالاضافة إلى حدوث الانقسام وسيطرة حركة حماس على الحكم في غزة وإزدواجية التشريعات والقوانين بين الضفة وغزة؛ وهو ما هيأ الظروف لتقوية الهوية المناطقية والعشائرية والعائلية والجهوية؛ والتي أصبحت بديلا عن المجتمع المدنى وهو ما أثر بشكل مباشر على إمكانية تحقيق نظام سياسى مؤسساتى ديمقراطى.     
وقد شهدت مرحلة ما بعد الانقسام السياسى تغيرات هيكلية في شكل النظام السياسى الفلسطيني نتيجة التطورات والأحداث المتلاحقة بين شقى الوطن، وما شهدته من تنازع حول الصلاحيات والمسؤوليات والشرعية ما بين الضفة وغزة في المجال السياسى والاقتصادي والقانونى والمالى والتمثيل الخارجي؛ وقد أصبح النظام السياسى عاجزا عن تقديم حلول وذلك فى ظل غياب وتعطل المجلس التشريعى واختزال الحكم في غزة لمصالح حزبية واللجوء نحو العائلية والعشارية؛ ولم يتمكن من تقديم مخارج دستورية لأزمة الحكم التي تلت انتخابات 2006 وقد تعالت الأصوات المحلية والإقليمية والدولية المطالبة بإصلاحه.  

وجاء المرسوم الرئاسي الأخير بإجراء الانتخابات التشريعية والرئاسية للخروج من هذا المأزق السياسى؛ ولكن يجب الانتباه  إلى أن الانتخابات وحدها لا تعنى سلامة النظام السياسى فهى لا تعبر وحدها عن الشكل الديمقراطى؛ لذا فان حالتنا الفلسطينية تتطلب نظام سياسى يوفر تعددية سياسية ووعى ثقافى وتسامح أيديولوجى وليست فقط إجراء انتخابات لاختيار سلطات حاكمة تنظم العلاقة ما بين الحاكم والمحكومين، كذلك يضع أسس لنظام ديمقراطى مستقر يقوم على مبدأ المواطنة وأن الشعب مصدر السلطات ومن حقه اختيار ممثليه وفق فترات زمنية ثابتة ومحددة، وكذلك يحفط الحقوق والحريات الأساسية للمواطنين والمساواة أمام القانون كافة دون تمييز ، ويضع الاطار العام للعملية السياسية بما يكفل بناء نموذج لنظام سياسى فلسطيني يحاكى احتياجات الشعب الفلسطيني ويعزز من صموده في مواجهة الاحتلال، ويحفظ استقلالية السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية على حد سواء ويمنع من التفرد بالقرار وممارسة أى شكل من أشكال الديكتاتورية الذى تتعدى على حرية المواطنين وذلك من خلال ممارسة الرقابة الشاملة والمساءلة والمحاسبة حتى لا نصل لطريق مسدود كما حالة الانقسام السياسى الحالية مع ضرورة صياغة نصوص في الدستور مستفادة من تجربة الانقسام المريرة وتحديد مرجعيات قضائية تعالج أي أزمات شبيهة قد تحدث نتيجة تداخل عمل السلطات الرئيسية الثلاث.

أستاذة علوم سياسية وعلاقات دولية